مقالات مختارة
واينر المبعوث السابق إلى ليبيا يفيق من سباته
نشر في: 17/03/2019 - 12:20
جمعة بوكليب
اطلعتُ، مؤخراً، في صفحات الإنترنت، على نسخة من تقرير حول تشخيص الوضع القائم في ليبيا، والحلول الممكنة، بعنوان «جذور الصراع الليبي وخيارات حله»، أعده، وألقاه في محاضرة، في شهر فبراير (شباط) الماضي، المبعوث الأميركي السابق لليبيا جوناثان واينر (JonathanM.Winer)، وذلك بمعهد الشرق الأوسط، بمدينة واشنطن، بالولايات المتحدة.
وصف السيد واينر للوضع الحالي في ليبيا بأنه في حالة «عدم استقرار مستقر – stable instability» وأسبابها تنافس عدة فصائل، لا تعترف ببعضها، وكلها فاقدة للشرعية. وأن «كل فصيل فيها يتموضع في موقع يحد من نفوذ الآخرين من دون القدرة على فرض سيطرته الكاملة على ليبيا… وبالتالي فإن التنافس على السلطة والموارد، دون حكم، أدى إلى حصول ليبيا على حكومات ضعيفة بشكل متزايد، وأن كل من جاءت بهم المفاوضات لتولي قيادة الحكومات الانتقالية الليبية هم حتماً مرشحون متوافق عليهم (من قبل الفصائل المتنافسة) واختيروا، بدقة، لعدم قدرتهم على الإضرار بميزان التوازنات بين كل القوى المشاركة في العملية السياسية».
واينر أيضاً كان حريصاً في تشخيصه على إضاءة الدور الذي تلعبه في الأزمة قوى خارجية: عربية، وإقليمية، ودولية. تتنافس وتتحارب، عبر قوى محلية، على الموارد والنفوذ. مما يزيد في تعميق الأزمة وتعقدها، وبالتالي إطالة عمر محنة البلاد، وزيادة في آلام معاناة العباد.
ويرى واينر أن الحل ممكن عبر قيام القوى الخارجية بالضغط على عملائها للانضمام إلى العملية السياسية والبقاء داخلها بدلاً من مقاطعتها. وأن أي اتفاق نهائي لا بدَّ من اشتماله على إعادة توزيع مؤسسات الدولة الرئيسية على أنحاء البلاد لخلق توازن جغرافي، وضرورة الاتفاق على إصلاحات اقتصادية، وهياكل الأجهزة الأمنية، والاتفاق حول الجهة المسؤولة المنوط بها تعيين رئيس وزراء يترأس الحكومة: مجلس النواب، أو رئيس يختاره الشعب كما هو محدد بالمسودة النهائية للدستور. ومتى تم ذلك فإن مجلس النواب في حاجة لإصدار تفويض بإجراء استفتاء على مسودة الدستور، على أن يعقب ذلك إجراء انتخابات بدعم من القوى الدولية، وبغض النظر عن النتائج.
ويخلص واينر إلى أن تحقيق ذلك صعب جداً، وأن تنفيذه لا يتم إلا إذا أوضح اللاعبون الأجانب في الأزمة لعملائهم المحليين الرافضين للعملية السلمية، أن أي فصيل يفشل في المشاركة والمصالحة وإتاحة الفرصة للعملية السياسية بالتحرك وإحراز تقدم سوف يتعرض للمقاطعة ويتم التخلي عنه.
وينبه واينر إلى خطر وجود أفراد طموحين في ليبيا وخارجها، وقيامهم بدلاً من ذلك بمغامرات خطرة تؤدي إلى زعزعة البلاد، وتتسبب مرة أخرى في إشعال فتيل الصراع، وتكون النتيجة التقسيم، أو تمهيد الطريق في البلاد لمجيء قذافي آخر.
تشخيص واينر للأزمة واقتراحه للحلول الممكنة أمر لا يختلف عليه أحد، لأنه كجراح ماهر وكفء، وصف مصدر الداء، وكيفية علاجه. لكن ذلك لا يمنعنا من محاولة طرح أسئلة ليس بغرض المجادلة، وإنما بهدف الاستفسار والاستيضاح، والفهم. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، لماذا عزف واينر، كمبعوث سابق لدولة كبرى، هي الولايات المتحدة، بما لها من نفوذ وهيمنة على اللاعبين الأجانب في الأزمة الليبية، وما لها من مصالح في ليبيا، عن الاقتراب من توضيح الدور الذي من الممكن أن تساهم به في الضغط على تلك الأطراف الدولية الحليفة ومن يتبعها من فصائل محلية؟ هذا من جهة.
من جهة أخرى، أليس من الممكن، والأقرب إلى المنطق، أن يعرف اللاعبون الدوليون أن استمرار دعمهم للفصائل المحلية، يعني ضمن أشياء أخرى، إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، واحتمال زيادة تورطهم في رمالها المتحركة، وربما تأزم خروجهم سالمين منها. وأن الأفيد، والأفضل لهم جميعاً، هو العمل معاً على الوصول إلى اتفاق فيما بينهم، بأسرع وقت متاح، لنزع الفتيل، والبحث عن أفضل سبل تجميع الأطراف المحلية، وتشجيعها على الوصول إلى اتفاق توافقي، يرضي الجميع، ويضمن مصالح الجميع، ويساعد على إعادة ترتيب البيت الليبي، وتأثيثه بسلام قائم على توافق وطني؟ السيد غسان سلامة، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الموكل بقضية إعادة السلام إلى ليبيا، سيدعو، قريباً، إلى عقد مؤتمر وطني جامع، وربما يكون ذلك فرصة جيدة تتاح أمام كل الأطراف الداخلية والخارجية للوصول إلى صيغة توافقية سياسياً، تمكن من وضع ليبيا، من جديد، وبسلام، على سكة قطار يخرج بها من النفق الذي استنزفها وأرهقها طيلة الأعوام الماضية.
الحقيقة، أن ما يبدو في الأفق من أخبار عن تحركات وتحشيدات عسكرية مؤخراً، أمر يؤكد أن حالة «عدم استقرار مستقر» حالة مؤقتة، وحتى إشعار آخر. كما يدعو للقلق، والخوف مما قد ينجم عنها من تحارب لا طائل من ورائه سوى خسارة الجميع، ودمار البلاد. لذا نتمنى على الله أن ينتصر العقل، ويسود المنطق، ويلتقي المتخاصمون، بدلاً من ساحة الحرب، تحت راية السلام، وحول مائدة التفاوض، بهدف التوافق.
وصف السيد واينر للوضع الحالي في ليبيا بأنه في حالة «عدم استقرار مستقر – stable instability» وأسبابها تنافس عدة فصائل، لا تعترف ببعضها، وكلها فاقدة للشرعية. وأن «كل فصيل فيها يتموضع في موقع يحد من نفوذ الآخرين من دون القدرة على فرض سيطرته الكاملة على ليبيا… وبالتالي فإن التنافس على السلطة والموارد، دون حكم، أدى إلى حصول ليبيا على حكومات ضعيفة بشكل متزايد، وأن كل من جاءت بهم المفاوضات لتولي قيادة الحكومات الانتقالية الليبية هم حتماً مرشحون متوافق عليهم (من قبل الفصائل المتنافسة) واختيروا، بدقة، لعدم قدرتهم على الإضرار بميزان التوازنات بين كل القوى المشاركة في العملية السياسية».
واينر أيضاً كان حريصاً في تشخيصه على إضاءة الدور الذي تلعبه في الأزمة قوى خارجية: عربية، وإقليمية، ودولية. تتنافس وتتحارب، عبر قوى محلية، على الموارد والنفوذ. مما يزيد في تعميق الأزمة وتعقدها، وبالتالي إطالة عمر محنة البلاد، وزيادة في آلام معاناة العباد.
ويرى واينر أن الحل ممكن عبر قيام القوى الخارجية بالضغط على عملائها للانضمام إلى العملية السياسية والبقاء داخلها بدلاً من مقاطعتها. وأن أي اتفاق نهائي لا بدَّ من اشتماله على إعادة توزيع مؤسسات الدولة الرئيسية على أنحاء البلاد لخلق توازن جغرافي، وضرورة الاتفاق على إصلاحات اقتصادية، وهياكل الأجهزة الأمنية، والاتفاق حول الجهة المسؤولة المنوط بها تعيين رئيس وزراء يترأس الحكومة: مجلس النواب، أو رئيس يختاره الشعب كما هو محدد بالمسودة النهائية للدستور. ومتى تم ذلك فإن مجلس النواب في حاجة لإصدار تفويض بإجراء استفتاء على مسودة الدستور، على أن يعقب ذلك إجراء انتخابات بدعم من القوى الدولية، وبغض النظر عن النتائج.
ويخلص واينر إلى أن تحقيق ذلك صعب جداً، وأن تنفيذه لا يتم إلا إذا أوضح اللاعبون الأجانب في الأزمة لعملائهم المحليين الرافضين للعملية السلمية، أن أي فصيل يفشل في المشاركة والمصالحة وإتاحة الفرصة للعملية السياسية بالتحرك وإحراز تقدم سوف يتعرض للمقاطعة ويتم التخلي عنه.
وينبه واينر إلى خطر وجود أفراد طموحين في ليبيا وخارجها، وقيامهم بدلاً من ذلك بمغامرات خطرة تؤدي إلى زعزعة البلاد، وتتسبب مرة أخرى في إشعال فتيل الصراع، وتكون النتيجة التقسيم، أو تمهيد الطريق في البلاد لمجيء قذافي آخر.
تشخيص واينر للأزمة واقتراحه للحلول الممكنة أمر لا يختلف عليه أحد، لأنه كجراح ماهر وكفء، وصف مصدر الداء، وكيفية علاجه. لكن ذلك لا يمنعنا من محاولة طرح أسئلة ليس بغرض المجادلة، وإنما بهدف الاستفسار والاستيضاح، والفهم. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، لماذا عزف واينر، كمبعوث سابق لدولة كبرى، هي الولايات المتحدة، بما لها من نفوذ وهيمنة على اللاعبين الأجانب في الأزمة الليبية، وما لها من مصالح في ليبيا، عن الاقتراب من توضيح الدور الذي من الممكن أن تساهم به في الضغط على تلك الأطراف الدولية الحليفة ومن يتبعها من فصائل محلية؟ هذا من جهة.
من جهة أخرى، أليس من الممكن، والأقرب إلى المنطق، أن يعرف اللاعبون الدوليون أن استمرار دعمهم للفصائل المحلية، يعني ضمن أشياء أخرى، إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، واحتمال زيادة تورطهم في رمالها المتحركة، وربما تأزم خروجهم سالمين منها. وأن الأفيد، والأفضل لهم جميعاً، هو العمل معاً على الوصول إلى اتفاق فيما بينهم، بأسرع وقت متاح، لنزع الفتيل، والبحث عن أفضل سبل تجميع الأطراف المحلية، وتشجيعها على الوصول إلى اتفاق توافقي، يرضي الجميع، ويضمن مصالح الجميع، ويساعد على إعادة ترتيب البيت الليبي، وتأثيثه بسلام قائم على توافق وطني؟ السيد غسان سلامة، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الموكل بقضية إعادة السلام إلى ليبيا، سيدعو، قريباً، إلى عقد مؤتمر وطني جامع، وربما يكون ذلك فرصة جيدة تتاح أمام كل الأطراف الداخلية والخارجية للوصول إلى صيغة توافقية سياسياً، تمكن من وضع ليبيا، من جديد، وبسلام، على سكة قطار يخرج بها من النفق الذي استنزفها وأرهقها طيلة الأعوام الماضية.
الحقيقة، أن ما يبدو في الأفق من أخبار عن تحركات وتحشيدات عسكرية مؤخراً، أمر يؤكد أن حالة «عدم استقرار مستقر» حالة مؤقتة، وحتى إشعار آخر. كما يدعو للقلق، والخوف مما قد ينجم عنها من تحارب لا طائل من ورائه سوى خسارة الجميع، ودمار البلاد. لذا نتمنى على الله أن ينتصر العقل، ويسود المنطق، ويلتقي المتخاصمون، بدلاً من ساحة الحرب، تحت راية السلام، وحول مائدة التفاوض، بهدف التوافق.