واشنطن بوست: العزل السياسي بداية تفكك ليبيا
قالت صحيفة الواشنطن بوست إن احتمال إرساء الديموقراطية في تونس أكثر منه في مصر وليبيا، واستشهدت الصحيفة بالانتخابات البلدية الأخيرة متكهنة بمستقبل التحول الديمقراطي المستمر في البلاد. مضيفة أن معظم المراقبين يؤكدون على أن احتمالات الانتقال الديمقراطي في تونس أفضل بكثير من مصر وليبيا، غير أن مراقبين آخرين يرون أن شكل التحولات في مرحلة ما بعد الربيع العربي يعتمد إلى حد كبير على صنع القرار البشري وعلى الظروف الموروثة من الماضي.
ويذكّرُ المقال بربيع عام 2013، عندما قامت مليشيات مسلحة بترهيب أول برلمان ليبي منتخب (المؤتمر الوطني العام) لتمرير “قانون العزل السياسي”، مما حرم كل من كان يشغل مناصب المسؤولية في ظل النظام السابق من المشاركة في الحياة السياسية. وأن بعض الليبيين ينظرون إلى هذه اللحظة على أنها نهاية مرحلة مبكرة من الانتقال المبكر، وبداية تفكك ليبيا. حيث تآكلت ثقة الجمهور في المؤتمر الوطني العام. كما أنه وضع لهجة استقطابية وإقصائية للانتقال الليبي اللاحق، وشملت آثارها “حملة المشير خليفة حفتر المتشددة” ضد الإسلام السياسي.
ويضيف المقال إلى أنه كان بإمكان البرلمانيين الليبيين وحكومة رئيس الوزراء علي زيدان الهشة، بدعم من المجتمع الدولي تشكيل جبهة موحدة لطرد المليشيات وداعميها بالقوة. وبدلاً من ذلك، حاول بعض البرلمانيين الليبراليين ظاهريًا صياغة قانونهم الخاص ليلائم مصالحهم الشخصية. ما أدى في النهاية إلى تجزؤ ليبيا إلى حكومتين متنافستين في 2014.
ويشير المقال إلى أن مشروع العزل السياسي في ليبيا هو صورة صارخة للأخطار والعواقب غير المقصودة للخيارات التي تتخذها الحكومات الانتقالية فيما يتعلق بالتدقيق في أشخاص النظام السابق ذي الدوافع السياسية – وهو أمر شائع عندما تأتي النخب الجديدة إلى السلطة في ظل ظروف ثورية. ويضرب المقال المثل بتونس حيث جعلت النخب مجموعة مختلفة من الخيارات. وكيف في عام 2014، قرر البرلمانيون الإسلاميون، الذين تحدثوا نيابة عن العديد من ضحايا النظام السابق الاستبدادي للرئيس زين العابدين بن علي، التخلي عن مطالبهم بالتدقيق في خصومهم السابقين. وكيف اختار الأفراد والجماعات المهمون في المجتمع التونسي اتباع نهج شامل – وهو نهج لا يحظى بشعبية دائمًا. وكيف أيضا حاول تصويتٌ برلماني، لكنه فشل في منع التمديد للجنة الحقيقة والكرامة لمواصلة عملها في التحقيق في جرائم الماضي.
ويتطرق المقال إلى مصر حيث يؤكد أنها توفر مثالاً آخر على كيفية تعامل النخب الجديدة مع السابقة في مسار الانتقال اللاحق. ففي عام 2011 اختارت جماعة الإخوان المسلمين الصاعدة عدم تحدي امتيازات الجيش المصري بشكل ملموس مقابل إجراء انتخابات برلمانية سريعة، وانضمام الإسلاميين لأول مرة إلى أغلبية برلمانية في وقت لاحق من ذلك العام. وقد سمح قرار الإخوان المسلمين بعدم متابعة أي عدالة جزائية بأن يظل الجيش القوة الحقيقية في مصر. لكن الجيش في وقت لاحق استخدم تلك السلطة لحل البرلمان المنتخب في عام 2012، وفي نهاية المطاف عزل الرئيس محمد مرسي، في يوليو 2013.
توضح هذه الأمثلة الحاجة إلى فحص دقيق للخيارات البديلة التي تواجهها النخبة بشكل دوري، والعوامل التي تزنها والظروف التي اتخذوا قراراتهم فيها. ويعود إلى تونس التي أثارت الانتخابات المحلية فيها الأمل في أن يؤدي تمكين المندوبين المحليين الجدد إلى إضعاف الأفراد والمؤسسات التي تهدف إلى الحفاظ على طبائع الاستبداد للماضي. وهذا بدوره قد يشجع المزيد من التونسيين على التصويت في الانتخابات التالية.
من ناحية أخرى، قد تدفع المستويات العالية من التشرذم السياسي الرئيس الباجي قائد السبسي إلى تعزيز سلطة الرئاسة، رغم احتجاجات المجتمع المدني.
يخلص المقال إلى أن تجربة تونس ستعتمد في تطبيق اللامركزية على الاختيارات التي حددها الفائزون في انتخابات (مايو)، إلى جانب تصرفات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية التي تدعم اللامركزية. كما ستعتمد أيضا على التقدم الاقتصادي المطلوب بشدة لإضفاء الشرعية على التحول الديمقراطي في تونس.
أما في ليبيا، حيث يجري التخطيط للانتخابات العامة في ديسمبر، فيعمل المجتمع الدولي على عقد صفقات بين الأطراف المتنافسة في ليبيا. ومع ذلك، فإن خيارات القادة الليبيين ستحدد في النهاية ما إذا كانت تلك الصفقات ستصمد. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي القرارات المتعلقة بإجراء استفتاء دستوري قبل الانتخابات، إما إلى تأخير الانتخابات أو المساعدة على إرساء أساس دستوري مشترك للتصويت، وهذا يتوقف على إرادة الأطراف السياسية والميليشيات الليبية المتنافسة. ويذهب المقال إلى أن أعضاء مجلس النواب في طبرق يعترضون حاليا على التشريعات الانتخابية اللازمة وفقا للممثل الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة. وفي مصر، سحق الرئيس عبد الفتاح السيسي المعارضة بوحشية، لكن ذلك لا يجعله محصناً ضد الضغوط الشعبية، خاصة إذا فشلت تغييراته الاقتصادية في تحسين وضع عموم المصريين.
مرة أخرى، لا توجد نتيجة حتمية في مسارات ما بعد الانتفاضات. على سبيل المثال، فتاريخ ليبيا كما يقول الكاتب في “غياب الدولة” وهو نقيض لتاريخ تونس يفشلان في تفسير الأجزاء المتحركة الكثيرة لكل حالة “دولة”. ووصف أي محاولة للانتقال السياسي بأنها “نجاح” أو “فشل” يقدم تفسيرا ثنائيًا غير مفيد، نظرًا لأن العديد من عمليات تغيير النظام التي كانت تعتبر في وقت ما حالات “ناجحة” لإرساء الديمقراطية، مثل تركيا أو المجر، بدأت فيما بعد تُظهِر ملامح غير ديمقراطية بشكل واضح.