هموم النشر والترجمة وغياب الناشر النوعي في المشهد الثقافي الليبي
ماجدة علي
أُعلن في الأيام القليلة الماضية عن ترجمة رواية ” زرايب العبيد” للروائية الليبية، نجوى بن شتوان، وذلك عن دار نشر جامعة “سيراكوز” الأمريكية، وهو إنجاز مهم ومستحق للرواية وكاتبتها، وخطوة للتعريف بالأدب الليبي، دون أن يكون أدبًا صحراويًا في كل مرة!.
كانت هذه الرواية قد صدرت في طبعتها الأولى عن دار “الساقي”، التي بدورها دفعت بترشيحها للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”؛ لتصل إلى القائمة القصيرة لعام 2017.
تأتي هذه الترجمة في ظل ركود يكاد يكون كليًا للحياة الثقافية بداخل ليبيا؛ فعبر إحصاء بسيط، نرى أن النتاج الإبداعي الليبي، الذي كانت له حظوظ في الترجمة الى لغات أخرى، قليل جدًا بالنظر إلى عدد الكتاب والشعراء بالبلاد.
ومن المعروف أن ترجمة الكتاب الليبي إلى لغات العالم، يستند في الأساس إلى وجود الناشر النوعي والتنويري والحقيقي، الناشر الذي لا يكتفي بدور التاجر وحسب؛ بل يهتم بصناعة الكتاب بشكل نوعي، بالإضافة إلى إسهامه في تحريك الحياة الثقافية، من خلال تقديم منشوراته لتنال حظوظها في المسابقات العربية على الأقل.
والكاتب الليبي هو، في الغالب، من يتحرك بشكل فردي للمشاركة في المسابقات العربية والعالمية، وهو من يأخذ على عاتقه إيصال إنتاجه إلى الضفاف الأخرى.
إن مسيرة النشر في ليبيا، بداية من سبتمبر 1969، كان شأنها شأن كل عمل ثقافي؛ قد خضعت لسلسلة من التقطعات التي فرضتها هيمنة الدولة على مفاصل الحياة الثقافية عبر السيطرة على مؤسساتها.
وهكذا كان إلغاء القطاع الخاص، واحتكار النشر؛ ليخضع نشاطه كليًا لمؤسسات الدولة مثل المنشأة العامة للنشر والتوزيع، وغيرها من المؤسسات الهزيلة، من بين عديد الإجراءات التي سببت في إعاقة وتعطيل الحياة الثقافية.
هذه المسيرة المرتبكة ما بين مؤسسات الدولة والهيمنة الأمنية على النشر، شهدت لاحقًا انفراجة تدريجية فيما يتعلق بقطاع النشر الخاص، ولكنها لا تحمل من صفات الناشر الحقيقي إلا الاسم؛ فطباعة الكتاب ونشره ظلت في الغالب كيفما اتفق، فلا لجان قراءة فنية، ولا مراجعات حقيقية لما يُنشر، لتسود مرحلة بائسة أغرقت السوق بمؤلفات رديئة لا يقرأها أحد، وتتم المشاركة بها في المعارض ولا يشتريها أحد.!
الناشر الذي يقدم تجارب حقيقية يمكن متابعتها بترشيحها للمسابقات العربية كـ”البوكر وكثارا” وغيرها، لتنال حظها من الانتشار والترجمة، هو ناشر غائب تمامًا عن المشهد الثقافي بليبيا، في وقت تندثر فيه الروح الحقيقية للثقافة في المشهد العام، مع شلل كلي لمؤسسات الثقافة، بشقيها الحكومي والمدني.
لكن، وعلى الرغم، من ذلك كله تأتي ترجمة رواية “زرايب العبيد ” حافزًا يشجّع الناشر الليبي، على مراجعة تصوراته وبرامجه، والإسهام بفاعلية أكثر طموحًا، في صناعة الكتاب، وتنشيط حركة النشر.