هل يستطيع غسان سلامة تحقيق تقدم في ليبيا؟
تِم إيتون- زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
اللقاء الذي هيأ له الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون لإيجاد أرضية مشتركة لحل الأزمة الليبية قد يكون منصة لإعادة إطلاق عملية سياسية، وقد يكون طريقا مسدودا. جهود غسان سلامة، الذي استلم مهمته رسميا بصفته ممثلا خاصا للأمم المتحدة في ليبيا الأسبوع الماضي، سيكون له قول مهم في تحديد أي طريق نحو أي من الخيارين.
ترأس سلامة لقاء باريس، ولديه خبرة مكثفة بنظام هيئة الأمم المتحدة، من خلال عمله في البعثة المساعدة لهيئة الأمم المتحدة في العراق، وككبير المستشارين لأمين عام هيئة الأمم المتحدة السابق كوفي عنان. خبرته في المشهد السياسي اللبناني المنقسم، بصفته وزيرا للثقافة، يمكن لها هي الأخرى أن تكون مُعِينة.
قبل ستة أسابيع فقط من اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة، سينظر سلامة في جلب القيادة إلى عملية سياسية غير متناغمة ويرسي خريطة طريق نحو تسوية سياسية يمكنها التوفيق بين الانقسامات في ليبيا والقوى الدولية المعنية بالشأن الليبي.
فتح الحوار
بعد خطاب دونالد ترامب الافتتاحي وتسييس تعيين مبعوث أممي خاص، نشأ فراغ واضح في الجهود الدبلوماسية الغربية بخصوص ليبيا، في الوقت الذي كان فيه التنافس الميداني يتفاقم. لا يوجد حوار مفتوح بين الشرق والغرب. إلا أن هذا تغير منذ فترة.
قبل لقاء باريس توسطت الإمارات العربية المتحدة في عقد لقاء بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الذي قام بتشكيله، وفائز السراج رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني المدعومة من هيئة الأمم المتحدة في 2مايو الماضي، وكان هذا أول لقاء بينهما خلال ما يزيد عن سنة. لاعبون أساسيون آخرون بادروا بعقد محادثات هم أيضا: الناطق الرسمي باسم مجلس النواب الموجود في الشرق عقيلة صالح التقى مع رئيس المجلس الاستشاري للدولة عبدالرحمن السويحلي في أبريل الماضي، وذكرت تقارير أن وفودا من هذين الجسمين التقت في لاهاي في يوليو الماضي بغية البدء في حوار.
ثمة أيضا، في ما يبدو، اتفاق واسع بخصوص الحاجة إلى انتخابات عامة. قبل رحلته إلى باريس، أعلن السراج عن نيته عقد انتخابات تشريعية ورئاسية في مارس 2018. وكان صالح وعديدون آخرون في مجلس النواب قد أكدوا سابقا على الحاجة إلى إجراء انتخابات. وفي باريس ذكر البيان المشترك بين حفتر والسراج أن الانتخابات ينبغي أن تعقد “في أقرب وقت ممكن”.
بُعد المحادثات عن المفاوضات
استعداد الفاعلين المتنافسين للمشاركة في محادثات يعتبر مقدمة ضرورية للدخول في تفاوض، ويمنح سلامة شيئا ما يتعامل معه. إلا أنه ليس ثمة حتى الآن سوى شيء ضئيل ملموس يمكن أن تجرى على أساسه مثل هذه المحادثات. فالاستقطاب والوضع الأمني، على وجه الخصوص، يجعلان إدارة انتخابات حرة ونزيهة شيئا مستحيلا، ناهيك عن العوائق الدستورية والقانونية. وفي الواقع فإن إجراء انتخابات أخرى متنازع عليها قد يؤدي إلى خلق مزيد من المشاكل بدلا من حل المشاكل الراهنة، كما أنه سيخلق، على الأرجح، جسما محل خلاف يسهم أكثر في تقويض شرعية مؤسسات الحكم.
بعض المحللين المتمرسين قالوا بأن أهمية لقاء باريس تكمن، فقط، في كونها أمدت حفتر بمشروعية دولية، وأن غياب فاعلين آخرين مضر للعملية السياسية برمتها. وهذه الانتقادات تتمتع ببعض المصداقية: فالجمع بين حفتر والسراج لن يكون كافيا لإنهاء النزاع في ليبيا.
إلا أنه يوجد قبول واسع -داخل المجتمع الدولي على الأقل- بأنه ينبغي إدخال حفتر في اتفاقية منقحة، كما أن تزايد مكاسب المشير على الأرض تجعل من المستحيل تجاهله. ما يعني أنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى حل مستدام بدون موافقة حفتر. استعداد حفتر للدخول في مفاوضات قضية أخرى. فهو يرى أن السراج ضعيف وواقع في قبضة المليشيات، وهو محق في هذا. ولم يظهر حفتر سوى إشارات قليلة تدل على المصالحة.
وعلى حين أنه لم يصدر بيان مشترك عقب لقاء مايو بين حفتر والسراج، ذكرت تقارير مسربة من قبل وسائط الإعلام المناصرة لحفتر أن مطالب المشير واضحة: أنه يسعى إلى عقد اتفاق يسمح له بدخول الانتخابات.. أن يكون ضمن مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء (إلى جانب السراج وصالح) وأن يحتفظ بقيادة القوات المسلحة. وسيسعى سلامة إلى إقناع حفتر بالاختيار بين قيادة الجيش وموقع في المجلس الرئاسي. لكن إقناع المشير بهذا ليس سهلا.
وعلى ما يبدو فإن السراج لن يمكنه الموافقة أبدا على شروط حفتر، ليس أقله أنها لن تكون محل قبول من جانب كوكبة الجماعات التي تؤيده. لقد هوجمت القاعدة الجوية المسيطر عليها من قبل الجيش الوطني الليبي في براك الشاطيء بعد أسبوعين من لقاء مايو من قبل قوات متحالفة من مدينة مصراتة خلف على الأقل 96 قتيلا من جنود الجيش الوطني الليبي يُدَّعى أن بعضهم أعدموا رميا بالرصاص على رؤوسهم من الخلف، ويعتبر هذا تنبيها للسراج بأن عليه عدم الدخول في مفاوضات تتجاوز مصالح داعميه.
التحديات التي تواجه سلامة
على سلامة الآن خوض سباق مع الزمن للوصول إلى الليبيين الواقفين عقبة في طريق التوصل إلى حل في مجلس النواب ومجلس الدولة، وأيضا، أكثر من ذلك، قبل التئام الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف سبتمبر القادم. سيكون زخم الحركة حرجا والفترة الممنوحة لسلامة قصيرة إلى أقصى حدود القصر. عليه بالمثل مجادلة مجتمع دولي يعوزه الالتزام والتلاحم.
تشكت إيطاليا، التي كانت في مقدمة السياسة الغربية تجاه ليبيا، علنا من أنها لم تخطر مسبقا بخطة لقاء ماكرون، ويبدو أن عديدا من الموكلين بالملف الليبي في وزارة الخارجية الفرنسية لم يكونوا هم أيضا على علم بذلك. وتظل ثمة مؤشرات قليلة إلى أن هذا جزء من نهج تنسيقي.
وهكذا يظل جعل المجتمع الدولي وعدد هائل من الفاعلين الليبيين يشاركون في عملية تقودها الأمم المتحدة مهمة كأداء. إذا أراد سلامة النجاح فعليه البدء بالتأكيد على أن لقاء باريس يمثل بداية عملية سياسية أكثر مما هو، ببساطة، فرصة ظهور إعلامي لمانويل ماكرون.