هل يتحول الدبيبة إلى سرّاج جديد؟
الحبيب الأسود
خطاب ملغّم
كل المؤشرات باتت تصب في الاتجاه نحو فشل الحل السياسي وعودة الانقسام إلى ليبيا، ربما نجح العسكريون شيئا ما من خلال لجنتهم المشتركة لأنهم عسكريون منضبطون بحكم تكوينهم النفسي والعقائدي والأخلاقي، أما السياسيون فوراء المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والجهوية هائمون، يبدون غير ما يضمرون، ويفعلون عكس ما يتحدثون.
المشهد حاليا يكشف عن اتساع الشقة بين شرق البلاد وغربها، وبعد 5 أشهر من تسلم السلطات المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي مقاليد السلطة، لا تزال الخلافات على أشدها. المجلس الرئاسي يستفز قيادة الجيش دون موجب. عبدالحميد الدبيبة يوجه خطابا ملغّما ضد خليفة حفتر يبدو متأثرا بنتاج زيارته الأخيرة إلى تركيا. القضاء في مصراتة يصدر بطاقة ضبط في حق حفتر وعدد من مساعديه. القضاء العسكري بطرابلس يوجه قوات الحكومة والميليشيات بالبحث عن سيف الإسلام في أحراش الزنتان لاعتقاله. ملتقى الحوار السياسي لا يزال عاجزا عن التوصل إلى قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات. مجلس الدولة الخاضع لسيطرة الإخوان يضع شروطا تعجيزية في وجه تحقيق أية توافقات. الجماعات المسلحة في غرب البلاد عادت للتقاتل في ما بينها. رئيس ديوان حكومة الوحدة الوطنية بالمنطقة الشرقية رضا رجب الفريطيس مختطف منذ الثاني من أغسطس في طرابلس بسبب مواقفه الداعمة للجيش ولا خبر عن مصيره. الحكومة تضع البيض في سلة رجب طيب أردوغان دون اعتبار لوجود خلافات حول ذلك مع من يعتبرون شركاء لها في السلطة والوطن، ميزانية 2021 لا تزال معطلة أمام البرلمان والدبيبة يواجه دعوات النواب إلى تقليصها من 97 إلى 76 مليار دينار وهو يريد رفعها إلى 111 مليارا.
الحديث عن تأجيل الانتخابات بات مطروحا بقوة في كواليس السياسة في طرابلس، وبالتالي فإن التمديد لحكومة الدبيبة يصبح أمرا واقعا
لا جديد في التعيينات الرئيسة بالمؤسسات السيادية واتفاق أبوزنيقة المغربية في مهب الريح. حتى موعد رأس العام الهجري تم الاختلاف حوله بين إفتاء طرابلس وأوقاف البيضاء وكلاهما يتبع الحكومة.
هذا غيض من فيض، ومن يتابع المستجدات اليومية يدرك أن أطرافا تسيطر على الأوضاع في طرابلس وغرب ليبيا لا تريد للحل السياسي أن يتحقق. هي ببساطة لا تقبل بحل يكون قائد الجيش المشير حفتر جزءا منه، ولا تزال مقتنعة بأن الحرب ستعود إلى الاندلاع ذات يوم، وأنها ستنتصر فيها بدعم الحليف التركي، وسيكون ذلك منطلقا لسيطرتها على منابع الثروة في وسط وشرق وجنوب البلاد. سياسة المحاور الإقليمية تنعكس تماما على الوضع في ليبيا، وهناك من يعتبرون أنفسهم المؤتمنين بلغة السلاح على آخر فصول ما سمي بثورات الربيع العربي في مواجهة ما ينعتونها بالثورة المضادة.
في غرب ليبيا هناك تحالف بين من يسمون أنفسهم ثوار 17 فبراير والإسلام السياسي، والزعماء الجهويين المنطلقين من فكرة المغالبة، والميليشيات التي باتت تحتكم على قوة اقتصادية ووجاهة اجتماعية، وجماعات الضغط المرتبطة بالنظام التركي، ولوبيات الفساد المتغلغلة في أجهزة حكم مشلولة، والمتطرفون الإقليميون الذين لا يريدون للسلطة أن تغادر مناطقهم أو أسرهم، وأمراء الحرب الذين تحولوا إلى مسؤولين في الأجهزة السياسية دون مؤهلات، والانتهازيون الذي يميلون في كل الاتجاهات حسب الظروف، لكن كل هؤلاء مجتمعين لا يستطيعون الحفاظ على مواقعهم ومصالحهم دون وجود القوات التركية والمرتزقة، وهم رافضون من حيث المبدأ لتنظيم الانتخابات المقررة للرابع والعشرين من ديسمبر القادم مخافة أن تطيح بهم إرادة الشعب في صناديق الاقتراع. ولذلك يعملون بكل قوة من أجل الدفع بتلك الانتخابات إلى التأجيل لأجل غير مسمى، فقد تختلف الظروف والتوازنات.
عودة الفوضى تحظى بدعم سياسي في الداخل
هم يراهنون على نسف الاتفاق العسكري وخارطة الطريق للحل السياسي، ويجدون من داخل الحكومة ومن الحلفاء الإقليميين دعما في اتجاه تكرار سيناريو حكومة فايز السراج التي جاءت من أجل عامين على أقصى تقدير وبقيت خمسة أعوام كاملة، ويبدو أن عبدالحميد الدبيبة منسجم مع هذه الفكرة، ولذلك يسعى بشكل أو بآخر للمزيد من خلط الأوراق، وأغلب المحسوبين عليه في ملتقى الحوار يضعون الهراوات في دواليب التوافقات وكأنهم يعدون للانقلاب على المسار الذي أنطلق من تونس في نوفمبر الماضي كاملا.
بات الحديث عن تأجيل الانتخابات مطروحا بقوة في كواليس السياسة في طرابلس، وبالتالي فإن التمديد لحكومة الدبيبة يصبح أمرا واقعا. عندما حصلت الحكومة على ثقة البرلمان في مارس الماضي كان هناك شرط تم التأكيد عليه في جلسة سرت، وهو أنه سيتم اعتبارها حكومة تصريف أعمال بداية من الرابع والعشرين من ديسمبر 2021. وهذا يعني أنه وفي حال عدم تنظيم الانتخابات، فإن مجلس النواب سيتمسك بموقفه السابق، وسينزع اعترافه بحكومة الدبيبة. النتيجة ستكون تشكيل حكومة من قبل البرلمان في مواجهة حكومة طرابلس، وقد يعود عبدالله الثني الذي عينه المشير حفتر مديرا للشؤون السياسية بالجيش إلى حكومة مؤقتة جديدة كالتي ترأسها منذ العام 2014 بشرق البلاد.
قد يكون من الخطأ أن يعتقد الفاعلون السياسيون في طرابلس أن حفتر فقد تحالفاته الإقليمية والدولية، فالرجل لا يزال يمثّل ثقلا كبيرا في المشهد، وهو يبدو حاليا الأكثر إصرارا على تنظيم الانتخابات، وممثلوه في الحوار أظهروا مرونة في الحوار خلال كل المراحل بشهادة البعثة الأممية، ودوره في توحيد المؤسسة العسكرية وطي صفحة الماضي مقدّر عند الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبالمقابل هناك شكوك لدى المجتمع الدولي بأن المقربين من حكومة الدبيبة هم من يعرقلون الخطى في اتجاه الرابع والعشرين من ديسمبر. علينا أن نتذكر أن البعثة الأممية لم تسع لإحراج هؤلاء سواء بالكشف عن نتائج التحقيق في ملف الفساد بملتقى الحوار، أو بالكشف عن تفاصيل التحقيق الدولي في حسابات مصرف ليبيا المركزي.
بات واضحا أن الأصوات الداعية إلى عودة الفوضى تحظى بدعم سياسي في الداخل، وأن صراع الميليشيات على النفوذ في غرب البلاد له من يغذيه، وأن حل تلك الميليشيات غير مطروح بجدية، كما أن إجلاء القوات التركية والمرتزقة غير مطروح أساسا، وإن الانتخابات لن تنتظم في موعدها طالما أن تيار 17 فبراير والإخوان غير متأكدين من الفوز بها، وأن توحيد المؤسسة العسكرية لا يزال بعيد المنال، وبالمقابل تتجه الحكومة للبقاء في السلطة إلى حين حدوث شيء ما. المشكلة أن منابع الثروة تحت سيطرة الجيش الذي لا يعترف به المستفيدون منها.