هل هو إردوغان أم هي تركيا؟
سوسن الشاعر
رجب طيب إردوغان ولد عام 1945 أي أنه يبلغ من العمر 75 عاماً، صحيح أن ظهره بدأ بالانحناء، لكن طموحه ارتفع إلى عنان السماء، وأمامه عامان حتى يترشح للرئاسة من جديد، ولأنه يشعر أنه لا يملك الوقت للتقية والمهادنة، فقد سارع برفع الغطاء عن مشروعه، خاصة أن مشكلاته الداخلية بدأت تتفاقم، ومنافسيه بدأوا يزيدون، ومعارضيه كثر، والرجل لديه مشروع في ذهنه، من أجله يحارب الداخل والخارج.
فهل ما يفعله إردوغان في ليبيا وسوريا والعراق هو طموح شخصي وحلم إردوغاني فحسب، أم أنه طموح لتركيا كدولة توافقه عليه كل الأحزاب، بمن فيهم معارضوه؟
المعارضة التركية لحزب العدالة والتنمية، أو تلك الممثلة فيمن انشق عن إردوغان، كداود أوغلو، أو علي باباجان، اللذين أسسا حزبين مستقلين، كذلك الحال مع كمال أوغلو، لديهم مواقفهم المعلنة لسياسة إردوغان الخارجية في منطقتنا تحديداً.
فهل المعارضة التركية لإردوغان تعارضه في علاقته بالعالم العربي؟ في مغامراته؟ تعارضه على إرسال جنود أتراك خارج الحدود التركية؟ تعارضه على تدخله في شؤون دول عربية؟ تعارضه في معاداته لدول عربية كمصر والسعودية وسوريا واليمن والعراق والإمارات، وبشكل سافر؟ أم تعارض أسلوبه وتتفق معه على المبدأ؟
يقول داود أوغلو، وهو المعارض الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية، وهو أحد مؤسسي الحزب، بعدما زادت حدة الخلافات بينه وبين إردوغان، خلال تصريحاته عبر برنامج «360 درجة» التابع لجريدة «جمهورييت» التركية: «لا بد أن أتحدث عما يجري وراء الكواليس. مواجهة بين مصر وتركيا في ليبيا لن تكون في صالح تركيا. لكن ليس من الصواب أن ننسحب من ليبيا لأن مصر أو غيرها أرادت ذلك، بل يجب استخدام قدرة تركيا بحكمة!»
وبحسب موقع «تركيا الآن»، أضاف داود أوغلو موجهاً حديثه لإردوغان: «لتحسن العلاقات مع تونس والجزائر. وتحافظ على الخط الغربي. فرنسا ليست الممثل الوحيد للاتحاد الأوروبي في ليبيا. لتحسن العلاقات مع إيطاليا وألمانيا. لتأخذ في الاعتبار عواقب زيادة فاعلية الولايات المتحدة وروسيا، اجلس صراحة، وتحدث مع روسيا، وقل لهم عندما نتعاون في سوريا لا تطلقوا علينا النار في ليبيا. ولو توصلت إلى نتيجة معقولة، فلتجلس وتتحدث مع مصر إذا لزم الأمر».
كما نلاحظ أن داود أوغلو يُبقي الباب مفتوحاً للتدخلات، ولكن يختلف على الأسلوب التصادمي لإردوغان فقط، لا على المبدأ.
علي باباجان يركز في معارضته لإردوغان على سياسته الداخلية، وقليلاً ما يتحدث عن كوارثه في سياسته الخارجية. لكنه صرح ذات مرة «أن الدولة تبتعد عن العلمانية، لتبرز الأمور الدينية في آلية حكمها. هذه جملة قراراتٍ خاطئة تؤثر على شعبية إردوغان يضاف لها الدور التركي في سوريا وليبيا، فأنقرة اليوم عالقة هناك وتنتقل بين قوتين كبيرتين، هما الولايات المتحدة وروسيا».
أما كمال أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض فيتهم إردوغان صراحة بأنه جعل تركيا تعيش أسوأ أزماتها، بسبب تحالفه مع قطر وعدائه لمصر والمملكة العربية السعودية.
مواقف متذبذبة بين موافق ومعارض، وهذا يعيدنا للسؤال مرة أخرى؛ هل نحن أمام طموح شخصي أم سياسة دولة؟
إردوغان ما عاد يخفي طموحه باحتلال مناطق عربية، بل يصرح بشكل واضح بأنها مناطق من المفروض أنها تابعة لتركيا العثمانية، وبدأ يفصح عن استحقاق تركيا للثروات والموارد الطبيعية التي يجب أن يحصل عليها من هناك، ويعددها وهو جالس على كرسي الخلافة، ويشير بعصاه إليها وكيف سيستولي عليها، فهل تنظر بقية الأحزاب لنا على أننا صيد وغنيمة أم مستعدة لبناء علاقة تحترم فيها السيادة؟
أما السؤال الأهم فهو موجه لنا، فهل نبني سياستنا تجاه تركيا بشكل استراتيجي، بغضّ النظر عمن سيفوز عام 2023؟ هل لدينا موقف موحد وتنسيق جماعي نستخدم فيه أوراقاً كثيرة نملكها لصالحنا أم نتركها فرادى؟
نحن نكنّ للشعب التركي كل الاحترام والتقدير، وتركيا دولة صديقة لنا، كدول خليجية تحديداً، لنا معها علاقات وطيدة، وقد بدأنا ننفتح عليها قبل «الربيع العربي» ونزيد من حصصنا في موازين التجارة معها، ونتبادل الخبرات ونخطط لمستقبل زاهر من العلاقات التجارية والثقافية، إلى أن جاء «الدمار» العربي المسمى ربيعاً، فإذا بتركيا تتحول إلى دولة معادية بشكل واضح وصريح، فهل هو إردوغان فحسب، وننتظر أن يقتص لنا الأتراك منه ويوقفوا تلك التدخلات؟ أو ننتظر القدر أن يخطط له وينهي حقبته؟ أم أن المسألة لا تتعلق بإردوغان. علينا ألا نتفاءل، أو ننتظر، بل علينا أن نحدد طبيعة تلك العلاقة من الآن بغضّ النظر عمن هو على سدة الرئاسة؟