هل ما يصلح للغرب لا يصلح للشرق؟
توفيق السيف
يخبرنا الزميل د. عبد العزيز النهاري عن حادثة ذات دلالة، كان طرفاً فيها. وخلاصتها أنه قدّم وصفة طبية لصيدلانية في مدينة ليفربول غرب إنجلترا، ومعها قيمة الدواء، فأبت السيدة أن تأخذ المال، لأن القانون يعفي الأشخاص فوق الستين عاماً من تكلفة العلاج («عكاظ» 22 يوليو (تموز) 2017). (طبعاً هذا معمول به بالنسبة للمقيمين في البلاد وليس للقادمين إليها لأغراض أخرى). مثل هذا الحدث غير مألوف في العالم العربي، لكنه اعتيادي في بريطانيا ودول أوروبية أخرى.
وأذكر أيضًا ما شاهدته في النرويج قبل عامين، حين وجدت الناس يدخلون ويخرجون من محطة القطار، دون أن يسألهم أحد عن تذاكر الركوب. خلافاً لما كنت أعرفه في بلدان أخرى. وعلمت لاحقاً أن الهيئة المشغلة للقطار وجدت المخالفات نادرة جداً، فاستغنت عن توظيف المراقبين. وأظن أن معظم الذين سافروا إلى أوروبا أو عاشوا فيها، يعرفون كثيراً من القصص المماثلة. ولا بدّ أن بعضهم يتمنى لو رأى مثلها في البلاد العربية والإسلامية.
العنصر الجامع بين القصتين هو طبيعة القانون وفلسفته. في الأولى حوّل القانون مبدأ التكافل الاجتماعي، من اعتقاد ميتافيزيقي، إلى حق مادي لكل عضو في الشريحة الاجتماعية المعنية بالتكافل، ووضع إجراءات محددة لتمكينهم من هذا الحق. وفي القصة الثانية استند واضع القانون إلى قناعة فحواها أن معظم الناس يميلون للالتزام بمفاد القانون، حتى لو استطاعوا مخالفته. وكلما صيغ القانون على نحو يسهل حياة الناس، فإن الالتزام به سيكون أوسع وأعمق.
إني واثق بأن جميع الناس، في منطقتنا وسائر بلاد العالم، يتمنون أن يكون القانون في خدمتهم، أن يوضع على نحو يمكنهم من نيل حقوقهم دون عناء. وهم بالتأكيد يتمنون أن يعاملوا بثقة واحترام، من جانب حكوماتهم ومن جانب كل طرف ذي علاقة بالمجال العام. ولا فرق في هذا بين النخب الحاكمة والجمهور.
حسناً. دعنا نسأل أصحاب القرار وصناع القانون ومنفذيه: لماذا لا يفعلون ذلك؟
المرجح أنك ستسمع جواباً واحداً، فحواه أن مجتمعاتنا مختلفة، وأن ما يصلح في الغرب لا يصلح في الشرق.
قد يكون هذا الاعتقاد صحيحاً وقد يكون خاطئاً. لكن الحقيقة المؤكدة أنه لم يخضع للتجربة على نحو كافٍ، كي نتحقق من صدقه أو خطئه. بل لدينا من الأمثلة ما يؤكد أن الجواب المذكور لا يخلو من مبالغة، وقد يكون بعيداً عن الحقيقة. أذكر على سبيل المثال تجربة من بلادنا (السعودية) تتعلق بالتحول الذي جرى في إصدار الجوازات وبطاقات إقامة الوافدين. قبل عقد من الزمن، كانت هذه مهمة مضنية، تستهلك كثيراً من الوقت والجهد في المراجعات الشخصية للدوائر. لكن الجزء الأعظم منها يجري الآن عبر الإنترنت، وترسل بطاقات الإقامة في البريد إلى عنوان المستفيد. ونعلم أن تقليص الإجراءات والمراجعات الشخصية لم يتسبب في زيادة التزوير والتهرب من القانون. هذه التجربة دليل فعلي على أننا لا نختلف عن غيرنا، وأننا نستطيع تكرارها في قطاعات أخرى.
لا يخلو مجتمع في العالم كله، من أشخاص فاسدين وعابثين. لكن مشيئة الله قضت أن يكون غالبية الخلق عقلاء ملتزمين بدواعي الفطرة السوية وإرادة الخير. ومن هنا، فإن القانون الأجدر بالطاعة والتأثير، هو ذلك الذي يصاغ على نحو يحاكي هذه الطبيعة ويخدم أصحابها، لا القانون الذي يضيق على الناس حياتهم أو يهدر حقوقهم.