مقالات مختارة
هل تتكوّن حركة “انتخاب ترامب غير شرعي”؟
نشر في: 19/01/2017 - 09:30
تم التحديث في: 19/01/2017 - 09:36
سركيس نعوم
كان الاسبوع الماضي أكثر أسبوع ممتع لكنه أقلقني كثيراً. بهذه الجملة بدأ متابع أميركي لأوضاع بلاده رسالته الالكترونية لي. أضاف: لقد تسمّرت أمام التلفزيون مشاهداً جلسات استماع الكونغرس الى الذين اختارهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب لوزارتي الدفاع والخارجية ولرئاسة وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. إي) الجنرال ماتيس وتيلرسون وبومبيو تمهيداً لتثبيتهم. شعرت بشيء من الارتياح لما قالوه، وخرجت من ذلك بالاستنتاجات الآتية:
1– ان الرئيس المنتخب غير مطّلع على قضايا الدولة وغير خبير في المسائل المتعلقة بإدارة البلاد وعنيدٌ جداً. وذلك يُقلق الكونغرس بجناحيه الجمهوري والديموقراطي. والمتابع الدقيق يلاحظ الجهود المبذولة لاحتوائه قبل تسلّمه الرئاسة لأن سلطاتها ضخمة جداً، ولأن سوء استعمالها يتسبب بكارثة.
2– أتاحت متابعة جلسات الكونغرس “الاستماعية” للأميركيين رؤية فرق إيجابي بين مرشحي الرئيس المنتخب وبين أقواله. فماتيس يعتقد بصدق أن روسيا ليست صديقة لبلاده وأن المواجهات معها ستكون أكثر من التعاون، وبومبيو دافع عن الـ”سي. آي. إي” واحترافها، وقال أنها لن تعتمد التعذيب في استجواباتها، وأنه سيعلم الرئيس والكونغرس بالمسائل الجوهرية. أما تيلرسون فقد دلّ بأصبعه على روسيا عند الحديث عن القرصنة الالكترونية، وقد اتخذ ترامب موقفاً مشابهاً له الأمر الذي أغضب رئيس روسيا.
3– ارتكب الرئيس المنتخب خطأً كبيراً بالتهجم على الـ”سي. آي. إي” ذلك أن القرصنة الالكترونية للجنة الحزب الديموقراطي المتهمة بها روسيا لن تختفي وستلاحق ترامب وبوتين مدة طويلة. فما كشفه الجهاز الاستخباري المذكور عن ما فعلته في أميركا، كشف في الوقت نفسه للأوروبيين الغربيين والشرقيين ما يمكن أن تفعله معهم ولا سيما في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في فرنسا وألمانيا. وسيجعلها ذلك في حال حذّر واحتراس.
فضلاً عن أن الضوء سوف يركّز ومعه المجهر على بوتين في أثناء محاولتهما ترتيب العلاقة الشخصية بينهما كما علاقة بلديهما في الأشهر المقبلة. الى ذلك فإن ما كشفته الاستخبارات المركزية في الشأن المذكور وجلسات الاستماع في الكونغرس ضيّقت هامش المناورة لدى ترامب في كل ما يتعلّق بروسيا والعلاقة معها، والدول الحليفة لأميركا تنقّب لايجاد مزيد من “القذارة” في تعاملات ترامب مع الروس، كما في تعاملات شركائه أيضاً معها. انطلاقاً من ذلك فإن المستند الذي وضعه جاسوس بريطاني سابق في تقرير من 30 صفحة والذي نُشِر يجب النظر إليه رغم غياب الوثائق الدامغة عنه على أنه جهود يبذلها حلفاء أميركا لاحتواء ترامب وبوتين معاً خوفاً من اتحادهما.
أما ردّ فعل ترامب على كل ذلك فإنه لم يرضِ صقور الكونغرس على “نعومته”، لكن يجب النظر إليه على أنه إنذار الى إيران وكوريا الشمالية والصين. كما يجب النظر الى عودة الدبابات الأميركية الى بولندا بعد سنوات من سحبها منها الى الولايات المتحدة إنذاراً لروسيا وتثبيتاً للجهوزية العسكرية لحلف شمال الأطلسي الذي يسعى بوتين بواسطة ترامب الى “فكفكته” وإضعافه.
في اختصار ما هي السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس ترامب؟
لا أحد يعرف حتى الآن، يجيب المتابع الأميركي نفسه. فوزير خارجيته تيلرسون أوصى خلال جلسة الاستماع إليه في الكونغرس بعدم التعرّض للاتفاق النووي مع إيران (إلغاءً أو انسحاباً)، وبعدم الانسحاب من “اتفاق المناخ” الدولي.
لكن أحداً ليس متأكداً من الذي سيفعله ترامب في هذين الموضوعين. وما هو أكيد عند الجميع هو أنه لن يتساهل مع إيران، ولن يتسامح مع تحدياتها وتهديداتها للسفن الحربية الأميركية في الخليج. أما العلاقة مع إسرائيل فإنها تحيّر الكثيرين في واشنطن والعالم. فهو سمى سفيراً لبلاده فيها رجلاً دعم ولا يزال يدعم التوسع الاستيطاني على حساب الفلسطينيين.
كما سمّى صهره وسيطاً للتوصل الى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي “التعينين” شيء من التناقض. إذ أنه عيّن سفيراً مؤيداً للاستيطان ولإسرائيل لديها، ووعد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، وفي الوقت نفسه سمّى أو قال أنه سيسمي صهره وسيطاً مهمته إجراء محادثات السلام بين الفريقين.
إلا أن المقلق بالنسبة الى أميركيين كثيرين هو بداية تكوّن حركة أميركية تعتبر انتخاب ترامب غير شرعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
صحيفة “النهار” اللبنانية