هل اللجنة الرباعية طوق النجاة لليبيين ؟!..
رمضان كرنفودة
تاريخ ليبيا الحديث سطر مراحل تطور الدولة الليبية منذ إعلان الاستقلال عام 1951، وتولي الملك إدريس السنوسي عرش البلاد. هذا الاستقلال، الذي جاء بعد مخاض كبير وصعب لنيله، لإعلان قيام المملكة الليبية، بعد أن كانت ليبيا مقسمة إلى ثلاث مناطق تسيطر عليها الدول الكبرى: فزان، تحت سيطرة الفرنسيين، طرابلس تحت سيطرة الأميركان، وبنغازي الإنجليز. لعبت الجهود الدبلوماسية الليبية دورا كبيرا من أجل إسماع صوت الليبيين الذي كانوا آنذاك يشتكون العوز والمرض والجوع من خلال مذكرات ووفود إلى قاعات الأمم المتحدة. قبل التصويت على استقلال ليبيا، لعبت الأمم المتحدة دورا كبيرا بتشكيل لجنة رباعية مختصة للاهتمام بالملف الليبي، الذي أصبح أحد الملفات المطروحة على طاولتها، للبحث فيما يريده الليبيون، للقيام بدورها في تأكيد حق الشعوب بالاستقلال عن دول الاستعمار وممارسة حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية من خلال الاستقلال وتأسيس دولة حرة، يسود فيها العدل والمساواة وتحقق العيش الكريم لشعوبها.
قامت الأمم المتحدة بتكليف اللجنة الرباعية رفيعة المستوى للسفر إلى ليبيا فى عام 1948 للاستماع إلى آراء الليبيين مباشرة، بالجلوس معهم ومعرفة مطالبهم بدون وسيط أو تدخلات من بعض الدول، خصوصاً فرنسا، التي أسهمت بقوة فى عدم وصول وفد فزان إلى مقر الأمم المتحدة. بعد رجوع اللجنة الرباعية إلى نيويورك عرضت تقريرها، الذي أكد رغبة الليبيين فى تأسيس دولة ليبية والاستقلال عن الاستعمار، بذالك تم التصويت على استقلال ليبيا وبدأت مسيرة إعداد دستور وبإشراف الأمم المتحدة فى ذلك الوقت و لقد نجحت اللجنة الرباعية فى مساعدة الليبين على الاستقلال وتأسيس الدولة.
من خلال تتبع الأحداث بعد سنة 2011 فى ليبيا، لم يتمكن الليبيون حتى الآن من تأسيس الدولة التي يطمحون إليها، نتيجة الصراع على السلطة الذي وصل إلى حد الاقتتال فيما بينهم. هذا الوضع أحرج الأمم المتحدة، ستون عاما بعد إعلانها استقلال ليبيا، خصوصا، تلك الدول التي ساعدت في إسقاط نظام القدافي بقوة السلاح. أُطلقت مبادرات دولية عديدة، ووجدت الأمم المتحدة نفسها تقود حوارا سياسيا للخروج من هذا الوضع المتأزم، من خلال اتفاق الصخيرات الذي رعته، ليقود مرحلة إنهاء الصراع المسلح بين الليبيين، لكنها وجدت صعوبات في تنفيذ باقي بنوده وعرقلة للاتفاق من قبل نفس الأطراف التي تحاورت لقرابة عام و نصف. دول الجوار و الدول العظمى أصبحت قلقة من الوضع في ليبيا، حيث يوجد الفراغ السياسي وتعم الفوضى في ظل صراع الشرق مع الغرب والجنوب، مما أفسح المجال لدخول التيارات المتطرفة وسيطرتها على بعض المدن، خصوصا تنظيم الدولة ( داعش). لكل أيقنت تلك الدول والمنظمات الدولية خطر التقسيم، وأصبح المواطن يعاني أزمة صرع سياسي يدار بالسلاح، مما أدى إلى تردٍ كبير في الخدمات التي ترعاها الدولة من سيولة نقدية ودواء وغذاء .
من هذا المنطلق تشكلت اللجنة الرباعية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وأصبحت تعمل وتجتمع مع الفرقاء السياسين الليبيين فى الخارج والداخل دون استثناء لأي طرف من سياسيين و مشايخ وأعيان قبائل وعسكريين. كذلك استمعت إلى كل الدول المجاورة لليبيا، والدول العظمى التي توثر فى المشهد السياسي الليبي. ربما تصل هذه اللجنة الرباعية فى 2017 لمثل ما وصلت إليه اللجنة الرباعية فى عام 1948، رغم اختلاف المشهدين السياسيين، للخروج بالأزمة الليبية إلى بر الأمان، وذلك من خلال دعمهم لمبادرة السيد غسان سلامة ( مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا) التي وضعت خارطة طريق لمرحلة انتقالية جديدة لبناء دولة ليبيا الحديثة، من خلال دستور وانتخابات ومصالحة وطنية. هذة المبادرة جاءت بعد أن استمع السيد سلامة إلى كل الأطراف الليبية والدولية، بما فيها اللجنة الرباعية التي قالت إنها تدعم مبادرته، التي رحب بها أغلب الفرقاء الليبيين والمجتمع الدولي … هل يعيد التاريخ نفسه و يُسطّر مرة أخرى أن اللجنة الرباعية كانت الوسيلة للخروج من الأزمة الليبية فى 1948، وكذلك فى عام 2017 ؟!