هجرةٌ “تحت الضوء”.. وهجراتٌ أخرى “في الظّل”
خاص218
أحلام المهدي
“الهجرة” أو “النزوح”، أو أيّا كانت المفردة اللغوية، فإننا نستعملها لوصف التحرك الاضطراري لأعداد غفيرة من البشر من مكانٍ لآخر، أو من دولةٍ لأخرى، بنيّة البقاء فيها بشكلٍ مؤقّت أو دائم، وتاريخ البشرية زاخر بالكثير من الصور المؤلمة للهجرة التي كانت تفرضها الحروب أو يحرّكها دافع التطهير العرقي أو الديني، ففي الوقت الراهن، تتجه أنظار العالم إلى منطقة “الشرق الأوسط” دون غيرها، لأن موجات الهجرة التي شهدتها أوروبا مؤخّرا كانت انطلاقتها من دول هذه المنطقة، ولعل هذا حجب الضوء عن “هجرة” أخرى في الجهة الأخرى من العالم، إذ يتوجّه الآلاف من سكان أمريكا الوسطى، من “هندوراس” و”السلفادور” و”جواتيمالا” التي تمزقها الحروب ويعصف بها الفقر، إلى “الولايات المتحدة” عبر “المكسيك”، واليوم تحديدا ذكرت “رويترز” أن السلطات المكسيكية قامت بإنقاذ “147” مهاجرا من أميركا الوسطى، كان مهربون قد أجبروهم على النزول من مقطورة جرّارٍ كانوا يقصدون الولايات المتحدة على متنها، ليضطروا إلى الاختباء في الغابات دون طعام أو شراب، حتى أن بعضهم فارق الحياة، فيما يشبه الحركة التي تنشط على الحدود الليبية الجنوبية التي يقضي فيها المئات عطشا بسبب جشع ولامبالاة تجار البشر.
ويصف البعض الهجرات الحالية، من سوريا تحديدا والعراق بأنها الأكبر في التاريخ، فيما يرى آخرون بأنها لا ترقى لأن تكون الأكبر، ذلك لأن العالم سبق وأن شهِد موجاتٍ أعنف من الهجرات الجماعية، ويُدلّل خبراء على ذلك بأن أكثر من “11” مليون ألماني قد تمّ طردهم من عدة دول أوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، كذلك فإن أكثر من مليونَي روسي تمّ إجبارهم على العودة إلى “الاتحاد السوفييتي” أثناء الحرب الباردة، ولن ينسى العالم حرب “البوسنة” في بداية التسعينيات والتي تسببت حسب “المفوضية العليا للاجئين” بأكبر أزمة لاجئين في العالم، وتعتبر الحرب في “رواندا” أيضا من الندوب التي لن تُمحى بسهولة من الذاكرة الإنسانية، فقد أودى الصراع في البلاد بحياة “800” ألف رواندي، عام “1994”، وتمّ تهجير نحو ثلاثة ملايين خارج البلاد، فيما أصبح أكثر من مليون رواندي من نازحي الداخل، وبالتالي فإن الهجرة ترتبط بشكلٍ أو بآخر بالسياسة والاقتصاد في العالم، لأن “المصالح المُهدّدة” هي الشرارة الأقدر على إشعال أشرس الحروب وأكثرها قذارة في التاريخ.