نيران «بريكست» تطال الطقس
جمعة بوكليب
اشتداد حرارة الطقس البريطاني نهاية هذا الأسبوع لا يماثله إلا ازدياد ضراوة نار الحرب الدائرة حول «بريكست». المتابعة الراصدة للأحداث تشير إلى أن حكومة السيد بوريس جونسون تمسك في أياديها، بقوة وعناد، بخيوط المبادرة، وتتحرك بسرعة وسرّية لتحقيق هدفين؛ أولهما: قطع الخيوط التي تشد بريطانيا بأوروبا بأي طريقة، ومهما كانت التكلفة؛ والمخاطر. وثانيهما: حل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية جديدة، والفوز بأغلبية كبيرة تؤكد مصداقية السيد جونسون وأحقيته ديمقراطياً في زعامة الحزب، ورئاسة الحكومة، وقيادة بريطانيا في مرحلة ما بعد الخروج.
التحليلات السياسية المبنية على ما يصدر من أخبار ومتابعات إعلامية؛ علنية أو مسرّبة، تؤكد أن الطريق أمام أحزاب المعارضة، وأمام المعارضين في داخل حزب المحافظين، للخروج بلا اتفاق، قد تعرضت للقطع، وتعذرت عليها الرؤية، بسبب كثرة ما ألقي من قنابل دخانية. وبالتالي؛ تعذرت عليها ملاحقة الأحداث، أو، على الأقل، القدرة على وضع عصي في عجلات عربة الحكومة المسرعة لإيقافها، أو للتقليل من شدة سرعتها. البرلمان في إجازة سنوية، وعودته للانعقاد في بداية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل مشكوك فيها، بعد أن سرّبت وسائل الإعلام، خلال عطلة هذا الأسبوع، رسائل إلكترونية صادرة عن مكتب رئيس الوزراء وموجهة إلى مكتب النائب العام، يطلب فيها رأيه القانوني في مسألة تأجيل عودة البرلمان للانعقاد لمدة 5 أسابيع أخرى، كي يتمكن من تحقيق الخروج من دون اتفاق. ورد النائب بجواز ذلك قانوناً.
الناطق الرسمي باسم مكتب رئيس الوزراء، من خلال المتابعة اليومية لما يجري، مشغول مؤخراً بالنفي لكل ما يوجه إليه من أسئلة تتعلق بما يسرّب من أخبار وما يحاك وراء الكواليس من مناورات في ردهات ومكاتب «10 داونينغ ستريت»… آخرها تسريب وثائق مهمة أعدّها فريق الحكومة المكلف وضع خريطة لتقييم المخاطر في حال خروج بريطانيا من غير اتفاق من «أوروبا». الوثيقة أطلق عليها اسم «عملية المطرقة الصفراء». الناطق الرسمي لم ينفها، ولكنه قال إنه غير مهتم بالرد على تسريبات إعلامية.
والسيد مايكل غوف؛ الوزير المكلف إعدادها مع فريقه، لم ينفِ صحة وجود الوثيقة. لكنه قال في تغريدة إنها بتاريخ قديم. واتهم رئيس الوزراء جونسون وزراء من الحكومة السابقة من أنصار البقاء ورفض الخروج من دون اتفاق، بتسريبها لتصليب موقف الفريق التفاوضي الأوروبي. وتبيّن، أخيراً، أن وزراء الحكومة السابقة، ممن هم خارج الحكومة الحالية، لا علم لهم بها، لأن الوثيقة أُعدّت في شهر أغسطس (آب) الحالي.
وخلال عطلة هذا الأسبوع، حضر السيد جونسون قمة الدول السبع في فرنسا؛ حيث التقى، رسمياً، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للنظر في إمكانية عقد اتفاق تجاري ثنائي بعد الخروج. والتقى قبله المستشارة الألمانية في برلين، والرئيس ماكرون في باريس، ونتج عن اللقاءات صدور تصريحات متفائلة من الأخيرين بإمكانية الوصول إلى اتفاق. ومنحت المستشارة الألمانية رئيس الوزراء البريطاني فرصة شهر لتقديم حل لمشكلة الحدود بين شمال وجنوب آيرلندا.
لكن اللقاء بين جونسون ورئيس الاتحاد الأوروبي لم يكن مشجعاً. وخلاله هدد جونسون بدفع بريطانيا مبلغ 9 مليارات جنيه إسترليني فقط في حال خروجها من دون اتفاق من الاتحاد، من مجموع 39 مليار جنيه إسترليني؛ التزامات بريطانيا نحو الاتحاد التي تعهدت السيدة تيريزا ماي، رئيسة الحكومة السابقة، بدفعها قبل خروجها من «داونينغ ستريت». عدم دفع المبلغ الكلي المتفق عليه سيحدث أزمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي. السيد جونسون حسب ذلك جيداً، ورمى بالكرة – القنبلة في النصف الأوروبي من الملعب.
واستناداً إلى آخر ما صدر من استطلاعات للرأي العام، ارتفعت حظوظ حزب المحافظين؛ 33 في المائة بزعامة جونسون في أوساط الناخبين، للفوز بانتخابات نيابية مقبلة، في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتدنت شعبية حزب العمال؛ 21 في المائة، والأحرار الديمقراطيين؛ 19 في المائة، وحزب «بريكست»؛ 14 في المائة، و7 في المائة لحزب الخضر.
مقترح رئيس الوزراء جونسون لتجاوز مشكلة الحدود بين شمال وجنوب آيرلندا، وفقاً لتقارير إعلامية صادرة في نهاية عطلة الأسبوع، يقوم على قيام بريطانيا بإلغاء بند الحدود الآيرلندية (the backstop) من اتفاقية الخروج الموقعة، عبر اتخاذ «نهج قطاعي» بموازاة وثيقة للوائح الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثيراً في التجارة الحدودية، وتكون حرّة في الابتعاد عن اللوائح في القطاعات التجارية الأخرى. ويبدو، من التقارير الإعلامية أن هذا المقترح لاقى صدى إيجابياً لدى المستشارة الألمانية.
رئيس الوزراء العمالي الأسبق توني بلير يرى أن خروج بريطانيا من دون اتفاق سيؤدي إلى آيرلندا موحدة. ووفقاً لمقالة نشرها، مؤخراً، أوضح أن اتفاق السلام في آيرلندا الشمالية وضع على أسس متوازنة تراعي مصالح وطموحات الطرفين المتنازعين: الاتحاديون – والجمهوريون. بمعنى أن التأكيد على بقاء آيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة كما يريد الاتحاديون، يقابله إلغاء الحدود بين جزئي آيرلندا كما يطالب الجمهوريون.
وفي حال خروج بريطانيا من دون اتفاق، تعود الحدود لسابق عهدها، قبل اتفاق السلام. وبالتالي، فإن التوازن القائم في اتفاق السلام بالإقليم سيتعرض للاختلال، بما يقوّض الاتفاق من أساسه.