نواحٌ موسيقيّ
ريتا التاجي
خرجت مسرعةً،على صوت صرخات متوالية تصفع أذني، رأيت أمي تولول، فأحسست بالأرض تهتز تحت أقدامي.
لحن موسيقيٌ يعزف بدون آلات، وصوت ألم القلب وهو ينزف لحنا أبديًا ترافقه نغمة النواح، أوركسترا المليون شهيد تعزف سوناتا الوطن الأم، وتلاه الكورس لحشرجات موت تتصاعد وتتلاشى.
رأيت الموت يمر برأس مرفوع يمتطي هيكلا كأنه يمتطي جوادًا، مرتديا رداءه الأسود، كان يحمل شيئًا بيده لم أستطع تمييزه، هل هو منجل أم علم اسود؟ ربما كانت ساعة رملية؟ أو وردة بيضاء؟
في لحظة خوف قرأت على ورقة غير مرئية كل آثامي وتمنت روحي لو عُلقت على مشجب خلف باب غرفتي قبل خروجي.
تذكرت أمي وهي تقول لي على فراش الموت”أن أأمن مكان هو في حضور الله.”
بدأت أهذي صلاةً، بلسان متلعثم.
وبعدها وصلَت سيارات الشرطة والإسعاف إثر نواح أمي، فقاموا بسحب الجثث من فوقها ونادى رجل الشرطة: “شخص ميت هنا.” فأجابه شرطي آخر “ثلاثة قتلى هنا.” وبدأت الارقام تتزايد، أحسست بأنني أتابع بورصة الأجساد الميتة لهذا اليوم.
وقفت وحيدة وأنا أتنفس الموت، فرأيته مجددا، لمس الموت القتلى فتوسلوا إليه وهم يرتعدون خوفا”ليس اليوم ارجوك, اعطنا فرصة اخرى.”
وضع الموت يده العظمية على أفواههم فصمتوا إلى الأبد، وبأقصى درجات الحب مد الموت يده في صدورهم آخذا الروح من الجسد وفي الحال شفيت جروحهم وسقطوا نيامًا في أحضان الموت.
لم تكف أمي عن البكاء والصراخ، خفت سطوع الشمس وتسلل لون رمادي إلى السماء، مُزقت النوتات، وكُسرت الآلات الموسيقية، توقف العزف وبقي نواح أمي عاليا:” العراق، العراق، العراق”.