ندرة الأكسجين في ليبيا تواجهها وفرة الوعود الحكومية
بات نقص الأكسجين الطبي الشغل الشاغل لمصابي كورونا في ليبيا، حيث أعلنت مراكز العزل في كل من الخمس وزليتن وبني وليد وغريان وتيجي وسبها نفاد مخزوناتها من مادة الحياة، قبل أن تتلقى الدعم من جهات أهلية ومتبرعيين محليين، ليتصاعد التساؤل حول مسببات الأزمة في ظل الارتفاع المطرد للمصابين بمتحور دلتا، وتسجيل وفيات قياسية لحالات فارق بعضها الحياة نتيجة توقف إمدادات الأكسجين، رغم البيانات الحكومية التي تخفف من حدة الواقع.
فما قصة الأكسجين الطبي؟ ولماذا هو مهم لمصابي كورونا؟
يعد الأكسجين من المكونات ذات الأهمية البالغة للحياة على سطح الأرض، فهو أساس عملية التنفّس الخلوي عند الإنسان والحيوانات، كما يدخل في عملية التركيب الضوئي عند النباتات ويُشكّل الأكسجين 21% من الغلاف الجوي للأرض وحوالي 50% من كتلة القشرة الأرضية، وهو واحد من الذرات التي تتكون منها المياه (H2O) فجزئ المياه يتكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين، كما أنه العنصر الأكثر وفرة في جسم الإنسان مُشكّلاً حوالي 65% من كتلة جسم الإنسان.
والأكسجين عالي التركيز والنقاوة يُستخدم في العلاج الطبي على نطاق واسع، وهو أكسجين عالي النقاء يتم تطويره للاستخدام في جسم الإنسان ولا يُسمح بأي أنواع آخر من الغازات في أسطوانات الأكسجين الطبي؛ لمنع التلوث، ويُقدَّم الأكسجين عالي التدفق قبل الدخول إلى المستشفى في حالات الإنعاش، والرضوض الخطيرة، والنزيف الشديد، والصدمة، والنوبات الصرعية الفعالة، وانخفاض حرارة الجسم.
الأكسجين الطبي علاج محوري لمصابي كورونا
في حالات الإصابة الشديدة بفيروس كورونا يصبح الهواء الداخل إلى الرئة قليلا، ويحتاج الشخص إلى الأكسجين لتعويض نقص الهواء في حالة انخفاضه عن النسب الطبيعية الآمنة المقدرة بـ 95 %، وفي حالة انخفاضه لما دون 92% فإن هذا يؤشر لنقص الأكسجين الذي يصل إلى أنسجة الجسم مما يؤدي لدهشة شديد وعدم قدرة على التحدث، وقد يصل الأمر أحيانا إلى زرقة في لون الجسم وغالبا ما يحدث هذا مع مرضى كورونا الذين يعانون من الحساسية ومرض القلب، وكانت الدكتورة ( جانيت دياز ) رئيس الرعاية السريرية بمنظمة الصحة العالمية قد أكدت أن الأكسجين الطبي هو علاج أساسي لحالات كورونا الحادة، موضحة أنه عندما يصاب شخص بحالة حادة فإن مستويات الأكسجين يمكن أن تنخفض في الجسم لدرجة لا يتوافر خلالها ما يكفي لقيام خلايا الجسم بوظائفها الطبيعية.
وفي معرض حديثه عن أهمية الأكسجين في علاج كورونا، قال محرر إرشادات منظمة الصحة العالمية (تريفور ديوك) إن الكورونا مرض تنفسي بالأساس، ويؤدي إلى إصابة المرضى في أطوار متقدمة بالالتهاب الرئوي ونقص تأكسج الدم، أي نقص إمدادات الأكسجين في الدم، ويعد نقص تأكسج الدم من أبرز مضاعفات الالتهاب الرئوي وهو سبب رئيسي للوفاة، وفي حالة حدوث التهاب رئوي يخفف الأكسجين الطبي من نقص تأكسج الدم، ويمنح الجسم وقتاً حتى تتقلص العدوى وتتعافى الرئتان، لذلك فمرضى كورونا في أمسّ الحاجة لهذا العلاج.
شح الأكسجين يدفع الطواقم الطبية للاحتجاج
دفع النقص الحاد في الأكسجين الطبي والأسطوانات الحافظة له بعض مراكز العزل في ليبيا إلى شفير الكارثة، خاصة مع الارتفاع القياسي للإصابات الناجمة على متحور الدلتا سريع الانتشار في المنطقتين الغربية والجنوبية، حيث اضطر مركز العزل 1 في مدينة الخمس إلى إجلاء 15 نزيلا من مرضاه بعد نفاد الأكسجين، الذي يتزود به المركز من مدينة طرابلس، كما أعلن مركز العزل بسبها الطوارئ، مناشداً “فاعلي الخير” التدخل بعد قرب نفاد مخزون الأكسجين من المركز، ما دفع الطاقم الطبي لتنظيم وقفة احتجاجية ضد ما اعتبروه تقصيراً من الحكومة، وتوالت نداءات الاستغاثة من مركز غريان الواقع في الجبل الغربي وتيجي التي يكابد مركزها الأمرّين بعد توقف مصنع أكسجين نالوت المجاورة، أما زليتن فقد نجحت جهود أهلية في تركيب وتشغيل مصنع للأكسجين بمستشفاه المركزي ويحتاج مركز لعلاج كورونا يضم 15 إلى 20 مريضا، إمدادات أكسجين تُقدر يومياً بما يزيد عن 40 ألف لتر.
الحكومة تخفف من حدة الأزمة وتستنجد بدول الجوار
استقبلت الحكومة شحنة من الأكسجين تُقدّر بـ 100 ألف لتر قادمة من الجار المصري، والتي تُعد الثالثة من نوعها في إطار خطة من الوزارة تستهدف استيراد مليوني لتر لسد النقص الحاد في مراكز العزل، وكان وزير الصحة الليبي على الزناتي قد نفى أيّ أزمة في مراكز العزل، مؤكداً انخفاض الإصابات والرهان على سَير عمليات التحصين لتجاوز الموجة الوبائية، وهو ما يراه مراقبون تخبطاً وغياباً واضحاً لخطة استراتيجية للتعامل مع الوباء، ورغم فداحة الوضع الإنساني في بعض مراكز العزل وإعلان بعضها نفاد الأكسجين، إلّا أن الحكومة تواصل التخفيف من حدة الأزمة.
ولكن من أين يأتي الأكسجين الطبي في ليبيا؟
لتلبية الاحتياجات على الأكسجين يجب على مركز العزل أن يُوفّر مكثفات أو مولدات الأكسجين، وتعتمد مراكز العزل والفلترة في ليبيا على إمدادات الأكسجين المحفوظة في خزانات خاصة تبلغ سعتها التخزينية 20 ألف لتر، أو عن طريق مُكثِّفات الأكسجين، وهو جهاز يأخذ الأكسجين من الغرفة ويُركّزه للاستخدام العلاجي ويزيل الغازات الأخرى، وعدد قليل من المراكز الليبية يقتني مصانع أكسجين خاصة.
ويُعد مصنع الأكسجين الطبي التابع لمجمع الحديد والصلب بمصراتة الأكبر من نوعه في البلاد، بقُدرة إنتاجية تبلغ 6000 لتر أيْ ما يكفي لملء 700 أسطوانة، ورغم غزارة الإنتاج إلّا أنه بالكاد يكفي الاستهلاك المحلي للمدينة، بينما تعجز المصانع التابعة للقطاع الخاص عن الايفاء بالاحتياجات الكبيرة لمراكز العزل، حيث يصطف المواطنين طوابير لملء أسطواناتهم بمبلغ يقارب 25 ديناراً، بينما تتوقف مصانع أخرى كتلك الموجودة في نالوت وزليتن عن العمل، وتنتظر مراكز عزل كمركزي عزل الخمس وبني وليد وعوداً حكومية بتجهيزها بمصانع أكسجين، رغم بلوغها الذروة في الإشغال السريري.
وكشفت الأزمة الصحية الراهنة الحاجة المُلحّة لإعادة هيكلة وتنظيم الاستراتيجية الصحية في التعامل مع الأوبئة، بما يضمن سرعة التدخل وإيجاد الحلول لتلافي خسارة الأرواح.