نجوم الصيف: صوتان… واحد يغني وآخر يشكو
سمير عطا الله
هذا الثلاثي الماسي الذي يصنع مجد لبنان الفني ويجدد في الأغنية العربية، كان مصاباً بلعنة الخلاف. بدأت الخلافات صغيرة، كما في كل العائلات والشركات، وتحولت إلى طلاق زوجي بين عاصي وفيروز، وإلى طلاق فني بين الأخوين ونجمة أعمالهما الكبرى. وترك الطلاق الفني أثره على المرحلة الرحبانية، بينما تحولت حياة فيروز وعاصي إلى جحيم.
شعر اللبنانيون بالأسى لأن العائلة الرحبانية كنز وطني، وليس فقط كنزاً فنياً خُلق لكي يكون واحداً. لكن طريق العودة كانت قد سُدّت بسور من التراكمات والأشياء الصغيرة. جاءت فيروز إلى لندن أوائل الثمانينات لإحياء حفل في «الباربيكان». وذهبنا في إحدى الليالي، زوجتي وأنا، لتمضية السهرة معها في جناحها في الدورشستر.
جلسنا في بهو الجناح، فيما شغّلت في الغرفة المجاورة «بيك أب» الأسطوانات الذي يرافقها. لا شيء آخر سوى أغانيها. وعلى وقع تلك الأغاني، سهرنا حتى ساعات الفجر الأولى. فيروز الفنانة تغني في الغرفة المجاورة، وفيروز الإنسانة تشكو حياتها العائلية في البهو. فيروز الفنانة لها جمهور يصل إلى كاليفورنيا والبرازيل ولندن، وفيروز الإنسانة مخلوق ضعيف يعاني من تكدس المشاكل الصغيرة، التي بدا واضحاً أنها تحولت إلى أسر دائم.
تصرفنا ما يُفترض في أي إنسان يغار على مثل هذه العائلة. أصغينا بكل قلب وبكل دهشة. لكننا لم نعلّق بكلمة واحدة سوى دعوات المصالحة. غير أنني شعرتُ، من نوعية المرارة التي تعبر عنها فيروز، أن السور قد ارتفع عالياً وعازلاً.
في تلك الرحلة إلى لندن، رافقها ابنها زياد، ليساعد في الإدارة الموسيقية. وكان قد بدأ اسمه يلمع منفرداً، بعيداً عن العائلة: كاتباً مسرحياً، وملحناً، وشاعراً، وممثلاً كوميدياً مذهلاً.
ورث زياد العبقرية الرحبانية وتعلّم منها، لكنه أراد التمرد عليها. وكما جدد أبوه وعمه في تقليم الأغنية، مضى هو في تبسيطها. وأنشأ لنفسه لوناً مسرحياً معاكساً تماماً لمسرح الوالدين. وراح يكتب ويلحن لفيروز أغاني مختلفة تماماً على الأذن التي اعتادت فيروز على أنغام عاصي ومنصور.
يمكن لأي إنسان أن يحزر بأن زياد هو قرّة عين فيروز. ولذلك، أضافت الإخفاقات في حياته الخاصة إلى آلامها العائلية الأخرى. وعندما أنشدت فيروز «أنا الأم الحزينة» شعر اللبنانيون أنها تخاطب نفسها وحياتها.
إلى اللقاء..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
“الشرق الأوسط”