نجوم الصيف: صفقوا لحصانه
سمير عطا الله
كان في عمر الشريف علامة واضحة في شخصيته: طيبته الفائقة وطبعه المصري الذي لم يفارقه حتى تحت أكثر الأضواء لمعاناً. وفي طيبته تلك، كان يعيش هاربا من المسؤولية وتبعاتها. وكانت قاعدته المؤذية في الحياة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». لكن حتى الغيب يُصاب بالخيبة من الذي يأتي إليهم، وغضبته لا تلين، خصوصاً إذا تكاثرت الخيبات.
عندما أتأمل حياة عمر الشريف، أتساءل كيف استطاع ذلك الرجل الرقيق المشاعر، تحمل حياة الفراغ التي عاشها. بل كيف استطاع أن يحتمل السقوط المبكر من دون أن يحاول النهوض والارتفاع مجدداً. بدأت فاتن حمامة التمثيل بدور طفلة، ثم صبية، ثم امرأة، ثم جدة. كل عمر له دور. لم تصمد نجومية زوجها طويلاً: اسم هائل الكِبَر، وعالم مفزع الضيق.
لي حكاية مع عمر، رحمه الله، أرويها مع الاعتذار. فقد دعاني صديقه العربي إلى الغداء معه في سباق الخيل، في مدينة دوفيل الفرنسية. وكان عمر يتابع الأشواط واقفاً أو متنقلاً بين أصدقائه أهل السباق والخيول وفلتات الأشواط.
وببساطته الجميلة، قال لي إن لديه حصاناً في الشوط الرابع، موثوقاً ألف في المائة. وغمز بعينه ما معناه أن كل الخيول تعرف هذا حصان عمر. ترددت في المراهنة ليس لعدم الثقة بخيول عمر، وإنما لظرف خاص كنت أمر به يومها… وأصرّ عمر كثيراً، فشعرت بالخجل، وقمت إلى شباك المراهنات فوضعت مبلغاً متواضعاً، وعدت إلى المائدة. ولا يخفى أن الرهان كان على أن يفوز الحصان بواحدة من المراتب الثلاث، ليس بالأولى فقط.
عدت الخيول، وهتف المضاربون، ووقف عمر يراقب حصانه. ووقف حصانه يراقب الناس ليرى إن كان عمر بينهم. وتمهل باقي الخيالة في انتظاره، وراح خيّاله يلهبه بالسوط، فيما هو يردد مع عمر بن أبي ربيعة، قالت الصغرى هل تعرفنه.
وراح عمر يصفق وينادي ويشجع، فانتبه الحصان أخيراً إلى أنه مشارك في السباق، فحاول أن يلحق نفسه، وليس أن يلحق الخيول الأخرى. وبذلت الخيول المنافسة كل جهدها في التمهل، حريصة فقط على عدم اكتشاف الفضيحة.
وبعد مشهد سينمائي مضحك، حل حصان عمر ثالثاً. والتفت يبحث عن صاحبه فيما كان عمر قد اندفع إلى الميدان يعانقه. ويشكر فارسه. ويشكر تعاون وتجاوب وتعاطف جميع الفرسان الآخرين.
إلى اللقاء…
صحيفة الشرق الأوسط