من يحكم ليبيا بعد معمر القذافي؟
حمزة جبودة
نجح خليفة حفتر في اختزال المشهد العام في المناطق التي يُسيطر عليها، في شخصه، لكونه القائد العام للجيش، ولكنّ هذا النجاح أنتج مركزية جديدة، كانت غائبة في ليبيا طيلة سنواتها الماضية، وصنعت منه المسؤول الأول عن أي اختراق أمني أو عملية اختطاف أو تعذيب أو تغييب، لأي شخصية اعتبارية أو عادية. وهذا شيء جيد مقارنة بما يحدث وحدث في ليبيا.
بإمكان المنظمات الحقوقية الدولية، أو المحلية بالدرجة الأولى، اتهام المشير خليفة حفتر، إن حدث مكروه لطرف ما، في بنغازي أو غيرها من المدن التي تتواجد فيها القوات المسلحة. كما حدث تمامًا مع ملف اختفاء أو اختطاف، النائبة سهام سرقيوة، الذي كانت دوافعه تصريحات النائبة حول الإخوان المسلمين، وأنهم جزء من المنظومة السياسية، لا ينبغي تجريمها، إلا إذا جرمتها الأمم المتحدة. وهذا يحدث حتى وإن كان المشير لا علاقة لهُ بما حدث، ولكن لكونه الشخصية الأكثر حضورا في المشهد العام، يجعل منه طرفًا أسياسيًا في كل أزمة.
مركزية المحاسبة في ليبيا، أمر مهم جدا، لأنها تؤسس مبدأ التواصل المباشر مع المسؤول. سيكون له إيجابيات كثيرة على مدى السنوات القادمة، حين تُطرح الملفات الهامّة، ومحاسبة من تسبّب في إهدار المال العام وجلب الإرهابيين وإفساد حياة الليبيين والليبيات.
اختزال المشهد في شخصٍ بعينه، لم يعُد إيجابيًا بالنسبة لمن يبحث عن هذا الاختزال، إضافة إلى تمجيد الشخصيات العسكرية والسياسية، لن يُجدي نفعًا على أصحابها “الرموز المتجددة” في ليبيا. لأنها مُهدّدة في أي لحظة للانهيار، أو العكس إن تمكنت من إدارة الأزمة التي تعيشها.
فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، وحكومة الوفاق، لم ينجح في اختزال المشهد في شخصه، وهذا الإخفاق، لم يكُن رغبة السراج، أو قرارا منه، بل لأنه لا يملك ذات الأدوات التي يملكها خصمه خليفة حفتر. وهي كثيرة بالمناسبة، منها أن رئيس المجلس الرئاسي، ليست لهُ خلفيات في المشهد الليبي قبل 2015، ولا حلفاء تقليديون، ولا حتى مدينة أو أذرع مسلحة. وقد حاول لأكثر من مرة، لكنه فشل في ذلك.
أحداث دموية وقاسية كثيرة عشناها في ليبيا، خلال السنوات الماضية، ما زلنا نبحث عن المتهم الرئيسي فيها، منها المجزرة التي حدثت في براك الشاطئ التي وقعت في شهر مايو 2017، وتبادل الاتهامات التي كانت توجه حينها، إلى فائز السراج وحين آخر إلى وزير دفاعه المهدي البرغثي، الذي أوقفه السراج بعدها بفترة بسبب ذات الحدث الذي هزّ ليبيا. وما تزال الحقائق غائبة حتى اللحظة. بمعنى أن المجزرة إن وقعت في مناطق سيطرة الجيش الوطني، فبلا شكّ سيكون المسؤول الأول عنها المشير خليفة حفتر.
فائز السراج، حاول بالفعل تطبيق أدوات خصمه، وتنفيذها في مواقع نفوذه، ولكنه بدأها متأخرا، بعد إعلان الجيش التحرك نحو طرابلس. حين عيّن السراج ناطقًا باسم الجيش التابع له، ليكون موازيًا للناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، ومن بعدها أعلن السراج عن عملية عسكرية “بركان الغضب”، موازية لعملية “الكرامة”، ولم يكتفِ بهذا، فقد حاول أن يكوِّنَ مؤتمرا صحفيًا للناطق التابع للمجلس الرئاسي، إلا أنه لم يصمد أمام هذه الطريقة التي اتخذها، نظرا للصراعات الداخلية التي يعيشها مجلسه ولعبة الولاءات الأيدولوجية والجهوية، التي تعصف في المناطق الخاضعة لإدارة حكومة الوفاق.
القداسة التي يمنحها البعض لشخصيات سياسية وعسكرية، أبرزها المشير خليفة حفتر، لا تخدم أحدا في ليبيا، لا شخص المشير ولا حتى أنصاره أو خصومه، بل إنها تعزز مكانة أكثر خطورة على واقع الحال في ليبيا. والأمر لا يقف عنده بالطبع. فالصادق الغرياني لهُ قداسة أكثر لدى من يرون فيه الشيخ الأكبر في ليبيا، وصاحب كلمة الفصل في علوم الدين والسياسة والاقتصاد والعلوم وكل شيء. وهذا النوع، يعدّ أكثر خطورة، لأن مسألة التصنيف تأخذ منحًى لا جدال فيه، لكون الصادق الغرياني، يملك مرجعية دينية يستخدمها في ملفات سياسية جدلية، وهي بالمناسبة لا حصر لها.
ببساطة، محاولة اختزال المشهد الليبي في شخصٍ بعينه، تعدّ محاولة غير منطقية، نظرا للحالة العامة في ليبيا، التي أصبحت أكثر تنوّعًا في أفكارها، وساهمت فيها بقصد، الجهوية والانتماء الفكري. قبائل ترى في نفسها قادرة على الحكم، مُدن أوهمت نفسها أنها تملك كل شيء وقادرة على إدارة البلاد، شخوص يحاولون باستمرار أن يقنعوا أنفسهم وغيرهم، أنهم يملكون أدوات الحكم. ومما لا شكّ فيه أن مدرسة “معمر القذافي” في الحكم، هي الأقرب لجميع المتنافسين على قيادة ليبيا، وإن اختلفوا حولها، لأنها الأكثر ضمانًا وسهولة لمن يبحث عن حكم الفرد الأوحد.