من “ماجر” إلى “الفتائح”… الطريق المُعبّدة بالأكباد
أحلام المهدي
لم يجد الطفل الليبي يوما جنّته في بلاده، رغم أن بعض المحظوظين كانت في مدنهم ملامح لحدائق أو مدن ألعاب صغيرة كانت تروي ظمأهم الطفولي إلى الحياة، لكن العصر الذهبي لليبيا والذي لازال الكثيرون يتغنّون به وبكمّ الرفاهية التي حظوا بها في ظلّه الوارف، لم يقدم شيئا استثنائيا لأطفال الوطن يُحسَب له.
فعدا العشرات الذين اغتيلت طفولتهم عندما أدخلهم النظام في مهزلة سياسية رخيصة لتُحقَن أجسادهم الصغيرة بالإيدز الذي قتلهم على مراحل، تأتي المدارس المتداعية علميا وتربويا، والمستشفيات التي فارق فيها الكثير من الأطفال حياتهم أو عاشوا ناقصين لأسباب أقل من تافهة.
لتندلع ثورة “فبراير” التي جعلت المتفائلين يظنّون أن من وُلِدوا عام “2011” والأعوام التي تلَته هم الأكثر حظا على الإطلاق في ليبيا، لأنهم ولِدوا مع موت النظام الذي جهّل وتجاهل من سبقوهم، لكن الجنة الموعودة لم تكن أبدا كما تصورناها، لتكشف لنا الأيام والأحداث أن أطفال ليبيا لن يكونوا على موعد قريب مع أحلامهم، بل سيواصلون السير على درب الحرمان والعوَز، وهم في طور التكوين والانطلاق في هذا العالم.
وبعيدا عن الأسباب والفاعلين والمساهمين، والمستفيدين من كل ما تعرّض ويتعرض له أطفال ليبيا من جرائم، بدايةً من “ماجر” مرورا بتاجوراء وسوكنة وبني وليد وتاورغاء وسرت وصولا إلى “الفتائح”، فإن من يعنيهم الأمر لن يفكّروا أبدا في الكلمات الأخيرة التي قد تكون دارت بين الأب وطفلته التي فقدها، وهل قبّلته وعانقته قبل خروجه أو أنه كان مستعجلا فاكتفى بربتةٍ سريعةٍ على رأسها الصغير، لترحل بشوقه الذي سيظل مستعرا ما عاش.
كيف ستكون ذكريات أبٍ مكلوم عن أطفاله ومعهم، وكم شيئا طلبه طفله الصغير وعجز عن شرائه له، بسبب الظروف التي لابد أن للقاتل يدٌ في استمرارها واستفحالها، نحتاج قلوبا جريئة لتفكر في كل ما خسرناه بموت أطفال الوطن الذين لم نقدم لهم إلا الموت في أبشع صوره.
نحتاج أن نستعير بين الحين والآخر قلب أم “أبناء الشرشاري”، لنعيش لحظةً واحدة من ساعاتها وأيامها الطويلة التي تعيشها وقد فقدت بضعةً من روحها، في وطنٍ خنق أمومتها وعصر على قلبها الجريح سمّ الفقد.
نحتاج حقا أن نُبعِد الأطفال عن قذارات السلطة وعبث السياسيين، فالطريق إلى المستقبل لا تُعبّد بالأكباد الممزّقة، والأحلام لا تتحقق على أشلاء الأجساد الصغيرة.