من قلبي سلام لبيروت التي أحب
محمد إحفيظة
لم أشعر يوماً بانتماء إلى هذه البقعة الجغرافية “بيروت” فأنا مثلي مثل أي شخص زار لبنان وأحبها كأي بلد يزوره، وربما بين فترة وأخرى يتردد عليه بسبب دعوة عمل أو رؤية أصدقاء، قبل الزيارة الأولى لبيروت لم أكن أعرفها إلا عن طريق أغاني فيروز وأشجار الأرز في الصور تملأ جبالها وسهرات كأس النجوم وخليك في البيت البرنامج الثقافي والأغنية الشهيرة للشحرورة “ألو بيروت”.
وعندما زرتها أول مرة كانت علاقتي الاجتماعية باللبنانيين ضعيفة جدا لأني ضيف وأول مرة أتواجد فيها ولكن عندما تكررت الزيارات مرتين وثلاث وأربع دخلت وسط المجتمع اللبناني، وأول شي تعلمته الاستيقاظ باكرا كي أستمتع برائحة القهوة ويبدأ صباحي في شارع الحمرا في مقهى كوستا كافيه وجولة الداون تاون، تعلمت منهم وقتها ثقافة الاستمتاع بالصباح وحب الحياة، وزرت مدنا وقرى لبنانية عديدة ولَّدت علاقة حب بيني وبينها وازداد رابط الحب مع الذكريات والأصدقاء والضحك والحفلات الفنية وحتى الزعل والحزن أصبح اليوم ذكرى لطيفة تربطني ببيروت استمرت زياراتي المتكررة لها مدة سنوات، وعادت علي بالاستفادة الفكرية وتعلمت كيف أعشق الصحافة وأحب الفن، تجربة بيروت ساعدتني بالتخلص من حالة الخجل التي كنت أعاني منها فيما سبق.
لكن في مقابل الأشياء الجيدة بالتأكيد هناك أشياء سيئة، أحد الأيام حدث خلاف مع أحد أصدقائي اللبنانيين، الخلاف بسيط، لكن الظروف العامة جعلت الموضوع يتصاعد، ولا أعلم لماذا بعد الخلاف صنع حاجز بيني وبين لبنان، ولم أزرها لسنوات، ربما الغضب كان شديدا في قلبي ذلك الوقت وغلطتي أني أربط الأماكن بأشخاصها.
غادرت لبنان ولم أحظ بوقت لوداع ضحكات الأصدقاء ولم أحتس قهوتي قبل السفر في مقهى “الروضة ” في منطقة المنارة المطلة على بحر رأس بيروت التي تعودت أن أتناول قهوتي فيها قبل أن أذهب للمطار كل مرة. وبعد فترة من الابتعاد أصبحت أشتاق وأحن لكل الأماكن، لكن في شهر مارس 2019 في إسطنبول التقيت بثلاثة شبان من لبنان جمعتنا الصدفة وأصبحنا أصدقاء في وقت قصير وتحدثنا عن لبنان وذكرياتي هناك، طريقة تعاملهم واهتمامهم لتجربتي وإصرارهم أن أزور بيروت لنلتقي هناك أسعدني كانت أوقاتا جميلة وعند استعدادهم للسفر للبنان كتبت رسالة لأحدهم في ورقة قلت فيها “مارس أسعدني في الخمسة الأيام الأخيرة، كُنتم أفضل ما حدث لي في نهاية مارس رغم أن لقاءاتنا كانت في خمسة أيام فقط، لكن تقاسمنا فيها الضحك واللعب والود وشكرا لكم لأنكم أرجعتم حبي لبيروت أضعاف المرات.
اليوم وأنا أشاهد اللبنانيين يدا واحدة من أجل تحقيق أهداف ثورتهم أشعر بإحساس مختلف عن السابق بمجرد ما رأيت صورا لشوارع بيروت وازدحام الناس في الشوارع عادت إلى ذهني ذكريات الماضي، الشعب المحب للحياة، هذا ما أعرفه عنهم وأراه اليوم صوتا واحدا، يدا واحدة، من أجل حياة أفضل، لا أخفيكم سرا كنت قلقا عليهم وغير مشجع للثورة خفت أن يتكرر مشهد الثورة الليبية، التي لم تحقق أهدافها حتى الآن، ولكن أنا على يقين أن إرادة الشعوب أقوى من أي حواجز أو عراقيل ليكونوا هم وجه لبنان الحضاري الواعي المثقف فالشعب اللبناني خاض تجارب ومراحل مهمة في السنوات الماضية لن تذهب مهب الرياح فهي صقلت شخصياتهم الوطنية وعززت الوعي لديهم.
لبنان بلد وشعب يستحق الحياة… سلامٌ مني مليء بالشوق إلى لبنان وبيروت التي أحب