من صحافية إلى رهينة
سونيا كينيبيك
عندما يقدم مراسل ما على خوض مخاطر هائلة، من يدفع ثمن ذلك؟ لقد سافرت إلى أفغانستان عام 2015 لتصوير فيلم وثائقي عن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة باستخدام طائرات دون طيار. وعندما استعلمت أنا وشريكي في الإنتاج عن التأمين ضد الاختطاف، جرى إخطارنا بأن الأمر سيتكلف أكثر عن 20.000 دولار لتغطية نفقات تأميني أنا ومدير التصوير. ومع هذا، حرصنا على اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية الأخرى، منها العمل مع فريق محلي مخضرم، وجرى التحري عن أفراده بدقة، ولبسنا وسافرنا مثلما يفعل الأفغان، وجلسنا داخل دور ضيافة آمنة. كما اشترينا تأميناً صحياً من منظمة «مراسلون دون حدود» مخصصا للدول مرتفعة المخاطرة ويغطي تكاليف الإجلاء في حالات الطوارئ والتعويض في حالات التعرض لبتر في الأطراف أو الموت.
في الواقع، كنا مدركين لطبيعة المخاطر التي نواجهها عندما سافرنا إلى أفغانستان. وكان كل أفراد الفريق على علم بالصحافيين الذين تعرضوا للاختطاف في أجزاء مختلفة من العالم. وقد نجا بعضهم، بينما لم يحالف الحظ آخرين.
وتدور أحداث هذا الفيلم الذي يحمل اسم «مايكل سكوت مور» حول قصة أحد المحظوظين، فقد نجح مور في النجاة بعد وقوعه أسيراً في أيدي قراصنة صوماليين على امتداد ما يقرب من ثلاث سنوات. ويعكف مور حالياً على الإعداد لنشر كتاب يروي خلاله فصول محنته العام المقبل. ويعود جزء كبير من الفضل وراء نجاة مور إلى والدته، مارليس سوندرز، التي قادت المفاوضات مع المختطفين الصوماليين، ونجحت في جمع مبلغ مالي ضخم من مصادر ومؤسسات خاصة لدفع فدية ابنها.
وبينما قد يبدو من غير المألوف أن تتعامل أم بصورة مباشرة مع مختطفين لإنقاذ ابنها، فإن تحفظ الولايات المتحدة إزاء التفاوض نيابة عن رهائن يجعل مشاركة أسرة الرهينة في المفاوضات أمراً ضرورياً لضمان إطلاق سراحه بسلام. المعروف أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقران سياسة عدم التفاوض مع مختطفين على النحو الأشد صرامة على مستوى جميع الدول الغربية – وفي أغلب الحالات تتمسكان بهذه السياسة – على النقيض، نجد أن دولاً من الجزء الرئيسي من القارة الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، معروف أنها دفعت مبالغ فدية مقابل إطلاق سراح مواطنين لها، حتى وإن كانوا في قبضة جماعات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش»، حتى وإن لم تعلن هذه الدول ذلك.
والواضح أن هذين التوجهين المختلفين خلفا تأثيراً عميقاً على النتيجة التي تتمخض عنها حالات احتجاز رهائن. وفي تقرير كاشف لها بعنوان «ندفع فدية أم لا؟»، توصلت «نيو أميركا فاونديشن» إلى أنه في الوقت الذي يبدو أن السياسة الصارمة القائمة على عدم تقديم تنازلات لم تقلل عدد حالات الاختطاف، فإن عدم دفع فدية يزيد من احتمال تعرض الرهائن للقتل. ويعني ذلك أن الرهينة الأميركي أو البريطاني يواجه احتمالاً أقل، لأن ينجو عن أي رهينة أوروبي آخر. وبينما شكل الأميركيون ما يقرب من واحد من كل خمسة رهائن غربيين منذ عام 2001، فإنهم يمثلون نصف الرهائن الذين تعرضوا للقتل على أيدي مختطفيهم. ومن بين هؤلاء الصحافي جيمس فولي، الذي انتقدت والدته، ديان فولي، السياسة الأميركية إزاء الرهائن على امتداد سنوات باعتبارها تفتقر إلى الاتساق والإنصاف.
وقد يسأل البعض: لماذا ينبغي للحكومة تحمل مسؤولية دفع فدية عن الصحافيين الذين تعرضوا للاختطاف بالخارج؟ وأنا أسأل بدوري: ما البديل؟ هل ينبغي للحكومة السماح بقتل أفراد أثناء اضطلاعهم بعملهم الذي يلعب دوراً محورياً في الديمقراطية والتعليم؟ أو هل ينبغي أن يتوقف الصحافيون عن السفر إلى مناطق الصراعات والكوارث، والامتناع عن تغطية الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة والمواقف التي تتدخل فيها بمختلف أرجاء العالم، وتجنب تسليط الضوء على قضايا عالمية مثل الإبادة الجماعية والاتجار في البشر؟ إننا بحاجة لإمعان النظر فيما يلي: ما السبيل الآخر بخلاف الصحافيين، أميركيين وغيرهم، الذي يمكننا من خلاله الحصول على معلومات مهمة، ومستقلة من خارج المناطق الآمنة بالنسبة لنا؟
في الواقع، تعتبر الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، وفي الوقت الذي تغلق المؤسسات الصحافية المكاتب الأجنبية لها لما تحمله من تكلفة كبيرة، ينتقل عبء وضع تقارير عن أحداث تجري بأراض أجنبية إلى عاتق من يعملون بصورة حرة، الذين غالباً ما يخاطرون باقتحام مناطق خطيرة دون تمتعهم بدعم ودون حصولهم على تدريب مناسب. المعروف أن مؤسسات إخبارية كبرى، مثل «ذي نيويورك تايمز»، تبعث مراسليها في مهام بدعم يفتقر إليه المراسلون العاملون بصورة حرة.
من ناحيتهم، يعي مراسلو الحروب جيداً طبيعة الأخطار التي تواجههم لدى تغطية مناطق صراعات، ويعكفون على وضع تقييمات للأخطار ودراسة أسوأ السيناريوهات المحتملة. كما أنهم يتحملون مسؤولية عواقب قراراتهم بالنسبة لأسرهم والآخرين المعنيين بإنقاذهم.
ولم يكن مايكل سكوت مور باستثناء على هذا الصعيد، فهو لا يزال يناضل للتغلب على التأثير الذي تركه اختطافه على والدته وربما سيضطر إلى العيش والشعور بالذنب يلاحقه. إلا أن هذا لم يمنعه من اتخاذ قرار بالتشارك مع آخرين في قصته.
* خدمة «نيويورك تايمز»
…………………….
الشرق الأوسط