من المطرب رقم “1” في ليبيا؟!
محمد احفيظة
في مراهقتي كنت أستمع إلى الفنان بومدين “شادي الجبل” معتقدا أنّه واحد من المطربين الأحياء لم يخطر لي أنّه رحل عن الدنيا وأنا في عمر أربع سنوات، عندما عرفت هذه المعلومة شعرت أنّ هناك شيئا خاطئا، أمي هي من عرفتني عليه من خلال استماعها للراديو في فترتي الصباح والمساء، فبومدين أصبح حاضرا في يومياتي أكثر من غيره من المطربين الأحياء صوته بالنسبة لي كان سحرا تسرح معه أذني وانعزل تمام عن محيطي، كلماته وألحانه تخاطب مراهقتي وأنا في عمر 14 ربيعا.
كنت أشعر كل أغنية تتحدث عني عن مواقف مررت بها، ورغم ذلك لم أقتنع أنّه “مات” فحين أستمع إليه أتعامل معه كشخص يعيش بيننا ولكن في الوقع هو يعيش فقط في ذكرياتي بأعماله مثل “ياريتني ما ريت- مالقيت فيكن والي- لو كان ريح العون”.
هذا الفنان رقم واحد بنسبة لمرحلة مهمة وكنت لا أسمع سواه بعد أن كبرت قليلا إضافة لتذوقي الموسيقي أكثر من أسماء مثل “الفنان فوزي المزداوي، والفنان الراحل محمد حسن، والعديد من الأصوات أحببتها وأحبها إلى يومنا هذا، في هذا الوقت أصبح يختلف منظور الرقم واحد في حياتنا أصبح من يرى نفسه اليوم رقم واحد هو الفنان نفسه وهذه مؤشر مخيف لا أحد يستطيع أن يحدد من هو رقم واحد كذلك الجمهور لا يمكن أن يقول من يحب ومن يراه أفضل فنان هو رقم واحد.
هناك أنواع من الفنون وكل شخص وأدواته وكل شخص لديه جمهور ومسألة الأرقام تنعكس سلبا على الفنان بمجرد ما يمر بأحد المطبات في الساحة الفنية سيدرك ذلك جيدا، وهناك من يرى أن السوق يقرر ذلك من خلال بيع الأسطوانات أو نسبة الاستماع عبر الموقع والمتاجر الإلكترونية، ولكن هذا أيضا تصنيف خطأ هناك فنانون لا يمتلكون قوة الدعاية لأعمالهم برغم من جمالها وجمال أصواتهم هناك فنانون لا توجد لديهم إدارة لتعهد الحفلات والأفراح في ليبيا وفي خارجها، هل نطلق عليهم رقم 5 أو 10، هذا ليس عدلا.
لا يوجد رقم 1 في الفن، يوجد فنان مجتهد وذكي، نعم ولكن لغة الأرقام في الفن صناعها من يفتقد أدوات الفنان الحقيقي، هناك فنانون لديهم حرص على أن تكون لهم أعمال كل عام وليس بضروري مصوره على طريقة الفيديو كليب ولا تعنيهم الأرقام فقط يعنيهم يكون العامل متكاملا واختار الأغنية عن قناعة وحب، عندما يجتهد الفنان سيشعر به المستمع والصحفي والمهتم بالشأن الفني لم يضيّع يوما جهد وتعب مجتهد، الفنان أيمن الاعتر يعتبر الليبي الوحيد الذي لديه نشاط فني على مستوى عربي واستطاع أن يثبت نفسه في الساحة الفنية العربية برغم من صعوبة الأوضاع في ليبيا ولا توجد أي جهة من ليبيا تقوم بالإنتاج لأعماله إلا أنه ثابر لتقديم الأفضل.
أما فِي النطاق المحلي فالفنان سامي محمود الذي خلق نوعا مختلفا في المجرودة الليبية وتميز بها سامي لا يعترف بالعمل الفقير أبدا من الناحية الموسيقية ولا يقتنع بأي عذر لغياب آلة الكمنجة في أعماله، أما الفنان صاحب التاريخ الغنائي الكبير فوزي المزداوي والذي ذاع صيته في تونس والمنطقة صاحب الاختيارات المميزة استطيع أن يحافظ على جماهيرية برغم لا يوجد له تسويق إعلامي ولا يتواجد عبر منصات السوشال ميديا ولكن حافظ على مكانته الفنية إلى حد الآن.
أما الفنان الشاب حسن البيجو يطلق عليه المجتهد بجدارة قام بعدة أنشطة فنية حبا في الأغنية الليبية وقام بتجديد عدة أعمال لأكثر من فنانين واستهدف عين المشاهد عن طريق تصوير الأعمال ليكن حاضرا صوتا وصورة يرى نفسه أنه يسلك في الطريق الصحيح بحكم الفنان اليوم ينقصه أن يكون حاضرا بصوت الصورة وإعلاميا وهذه الحلقة المفقودة التي وجدها البيجو، هناك غيرهم العديد.
من الفنانين الذين يبذلون مجهودا على أعمالهم ويجتهدون لتقديم الأفضل وخلق روح منافسك شريفة في الساحة الفنية، بعيدا عن كابوس الأرقام، أنا لا أؤمن بمقولة “رقم 1 في الفن” الجملة التي يطلقها عدد من الفنانين على أنفسهم من حين لآخر لو هناك مطرب أطلق تلك المقولة على نفسه فهذا يعني أنه يطالب زملاءه بالاعتزال وترك الساحة الفنية له فقط، وهي ليست حلبة مصارعة حرة، إما منتصرا وإما مهزوما وكذلك الفن ليس بورصة للسلع، الفن أساسه التنوع والوصول إلى أذواق مختلفة وذكاء الفنانين وتطور قدرات الفنان تمكنه من الانتشار ويصل لأكبر عدد من الجمهور هذا هو الإنجاز الحقيقي أما الفنانون الذين يرددون صفة الأرقام يضرون أنفسهم أولا ويضرون الحركة الفنية التي في الأصل هي ضعيفة، ثمانون في المئة يقدمون أعمالا من حسابهم الخاص ويفتقدون عنصر الإنتاج.
للاسف أصحاب الرقم واحد وعشرين يضرون بصناعة الموسيقى، ولكن في النهاية تعدد الأذواق في الشارع هو الفصيل وسيكون مثل كفة الميزان تعدل الكهف الأخرى، لا تصنف نفسك وتحصرها في أرقام الرقم واحد يأتيه يوم ويزداد رقم أو رقمين على الواحد وربما أضعافه، إذ لا يوجد رقم 1 منفردا أبدا، توجد أذواق، وتوجد أعمال متنوعة تتقاسم القمة دائما.