من القرية إلى المدينة .. الجزء الثالث
رمضان كرنفوده
قدمت زوجة عمه بعض الخبز، مبلل بصلصة الطماطم حتى يتناولها لوجبة العشاء. ودّع صالح عمه و رافقه إلى خارج البيت حتى نهاية الشارع الذي يقطن فيه. التقى صالح ومسعود وسعد وجبريل في المحطة وانطلقوا جريا إلى شارع عمر المختار حيث مكتب خدمات الشركة النفطية , وصلوا إليه منهكين من التعب. جلس صالح بعد أن افترش بقايا صندوق كرتوني و تمدد عليها وتوسد الأمتعة ووضع عليها رأسه. تبسم في وجه رفاقه وقال: لم أشعر بهذا التعب منذ فترة و تذكرت تعب الحياة فى القرية و السير من البيت الى المدرسة، وإلى المزرعة. استلقوا قليلا للراحة من التعب بعدها أخرج صالح الخبز المبلل بصلصة الطماطم وأخرج آخر بيضات مسلوقة و الآخرون لديهم بعض التمر من فصيلة التاسفرت معجون و مخلوط بقليل من الزميته.. اتفق صالح و رفاقه على أن ينام اثنان، واثنان للمناوبة مرة كل ثلاث ساعات. نام صالح و جبريل و بقى مسعود وسعد فى المناوبة توسد صالح ذلك الكيس من القماش القديم، به بعض الأمتعة القديمة التي جلبها من القرية واسترخى وسرعان ما أخده النعاس. فتح عيناه بعد أن سمع صوت مسعود يقول له نوض يا صالح قريب البكرة !!
كلمة البكرة عند أهل فزان قديما تعني الوقت الذي قبل الفجر بساعة قريباً وقال له مسعود تركتك تنام بعد أن أوضحت ملاحم وجهك التعب عليك. الآن، بالمناوبة حتى الصباح وتبسم صالح وجلس هو ورفيقه يستذكرون أيام القرية و الحياة من السقاية و الحرث والحصاد وتلك البسمة على شفاه الناس رغم قسوة الحياة … اثناء تواجدهم أمام المكتب فى الليل من حين إلى آخر تمر دورية راجلة على الأقدام من البوليس و يسئل أحدهم صالح ورفاقه ماذا تفعلون هنا ؟! ومن أنتم ؟!
فيجيب صالح، إنهم فى انتظار الصباح من أجل السفر إلى الصحراء للعمل مع هذا المكتب تفهم رجال الدورية ذلك والفجر ينسج خيوطه الأولى بذلك النور حتى ارتفع آذان صلاة الفجر منادياً للصلاة. كان الجامع قريب، ذهب صالح و رفاقه إلى الجامع و صلوا صلاة الفجر جماعة بعد أن استغلوا اللحظات قبل إقامة الصلاة من أجل غسيل أجسادهم والوضوء … دعوا الله أن يوفقهم فى عملهم و وجهتهم الجديدة.
خرج الجميع من الجامع وبدأت الحركة تنطلق فى شارع عمر المختار، من يسير على قدمه أو على دراجة هوائية و بعض المقاهي تفتح أبوابها. أخرج تكرة التمر المعجون وأعطى كل واحد جزء منه، وجبة إفطار مليئة بالسعرات الحرارية و نشويات دقيق الشعير. بعد تناول الإفطار جهزوا أمتعتهم ووقفوا أمام المكتب فى لحظة انتظار و ترقّب، وعقارب الساعة تشير إلى 9.30 صباحا، تحدثوا فيما بينهم، صالح ورفاقه: كم تستغرق الرحلة من طرابلس إلى الصحراء ؟!.. و ما هو نوع المركبة التي سوف يستقلونها ؟!. هل هى سيارة نقل أم حافلة ؟! لم يستطع أحد أن يتكهن بها، ولا أحد يعرف كم المسافة و وسيلة النقل !!
وقفت سيارة من نوع فلكس فاجن و ترجل منها ذلك الموظف، شاب أنيق يرتدي تلك الملابس الأنيقة وعدسات شمسية سوداء، وقف أمام باب مكتب الخدمات وسرعان ما جاء عدد من الأشخاص زملاء له فى المكتب، فتح أحدهم باب المكتب ودخل الجميع. جلس كل واحد منهم خلف مكتبه، دخل سفرجي من أحد المقاهي التي بالشارع يحمل فناجين القهوة التي أنعشت رائحتها أنوف صالح و رفاقه وهم جالسون فى صالون الانتظار بالمكتب .. . تقدم السفرجي يحمل القهوة إلى صالح ورفاقه وقدمها لهم، ارتشف صالح منها وتذوق تلك القهوة بعد أن وصلت له رائحتها قبل أن يتذوقها. توقفت سيارة أمام المكتب حافلة صغيرة تسع 9 ركاب ودخل السائق و تحدث مع الموظف، طلب الموظف من صالح ورفاقه الدخول إلى المكتب و تحدث معهم، وبيده بعض الأوراق، قال لهم هذا السائق سوف ينقلكم الان الى مكان العمل و ان مرتباتكم سوف تحدد فى موقع العمل، على حسب العمل، فرحوا فرحة كبيرة و اتجهوا خلف السائق الى السيارة، صعد الجميع، كل واحد فى ذهنه أنه سوف تكون رحلة طويلة. انطلقت الحافلة فى اتجاه طريق مطار الملك ادريس السنوسي .. مسعود احد رفاقه، أنهكه التعب و السهر، أراد أن يستريح و ينام على كرسي السيارة بعد يوم من البحث عن العمل والسهر أمام مكتب الشركة النفطية. قال مازحا: بعد أن نصل إلى مكان الحقل عليكم برش الماء على وجهي، حتى أنهض من النوم، نومي ثقيل و عميق. ضحك سائق الحافلة وقال أي نوم يا رجل، ربع ساعة و نصل. تعجب الجميع من كلام السائق ” خلال ربع ساعة نصل إلى مكان العمل “.
هل الحقل يوجد فى محيط طرابلس، هل مدينة طرابلس تحيط بها الصحراء. الجميع كان يفكر فى صمت والسيارة تسير بهم على طريق معبد تحيط به الأشجار وكانت المفاجأة عند وصول السيارة و توقفها فى ذلك المكان وهو مطار الملك ادريس قال السائق: لقد وصلنا .. كان فى انتظاره شخص يحمل بعض الأوراق، تبسم في وجه صالح و رفاقه حياهم: أهلا بكم أيها الشباب بعد ساعتين سوف تقلع الطائرة انتظروا فى الصالة يا شباب حتى أكمل بعض الإجراءات. اندهش الشباب الأربعة من الكلام وكان صدمة لهم، فى حياتهم لم يركبوا الطائرة من قبل، ولم يشاهدوها أبداً، إلا صورة فى كتب الدراسة. أصبحت أعينهم تحلق فى تلك الصالة، حتى الحديث بينهم توقّف .. سرعان ما عاد الموظف إليهم و قال لهم اتبعوني، مروا بالتفتيش وانطلقوا الى الطائرة التى تنتظر فى وسط المهبط، هى عبارة عن طائرة شحن تموين تقوم بنقل المواد الغذائية من لحوم و خضروات واندهش صالح ورفاقه من رؤيتهم أول مرة فى حياتهم لطائرة حقيقية تقف أمامهم مثل التي شاهدوها فى الكتب المدرسية. صالح الذي ركب أول مرة سيارة تلك التي نقلته من القرية إلى المدينة، يجد نفسه أمام طائرة !! .. …..يتبع قصة كتبت بقلم صنع من عكاز