من أين تبدأ المصالحة الوطنية ؟
218 ـ خاص
ما هي المصالحة الوطنية؟ تعني التسامح وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، ونبذ الفرقة والكراهية، والعيش وفق مفهوم العدالة والمساواة وإطار الحرية التي أقرتها الشرائع الإنسانية والقوانين، بعيداً عن الانجراف وراء التجاذبات السياسية والأيديولوجية.
من ناحية أخرى، يتمنى الليبيون ــ بعد عشرة سنوات من الانقسامات والحروب ــ الوصول إلى مصالحة شاملة يعودون فيها أخوة يمكنهم التنقل في كل أنحاء البلاد دون خوف وإيقاف على الهوية.
الليبيون لهم باع طويل في مجال المصالحة المجتمعية والوطنية، ولعل “ميثاق الحرابي”الذي صدر في 18 أبريل عام 1946، والذي كان هدفه التعامل مع إرث الاحتلال الإيطالي لليبيا. حيث دعا إلى توحيد المجهودات وتضافر من أجل قضية البلاد، حتى يتقرر مصيرها وتؤسس فيها حكومة وطنية.. تلك الوثيقة كانت الأولوية فيها المطالبة بحق الأمة.
تؤمن عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي لميس بن سعد، أن المصالحة الوطنية تبدأ بمعالجات جذرية وواقعية. منها العدالة الانتقالية، جبر الضرر ورد المظالم، وتقصي الحقائق والمسألة.تبدأ بتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة وإنهاء المركزية. وحتى يتحقق ذلك وتكون المصالحة حقيقية يجب أن تكون الأرضية والظروف مناسبة مثل الظروف الأمنية، والسياسية، والاقتصادية.
لا ينكر النائب عبد السلام نصية وجود بعض المصالحات التي ساهمت في إطفاء بعض الفتن والصراعات وانشأت حالة من الاستقرار الحذر في بعض الأماكن، لكنها لم تنعكس على القضية الوطنية بصفة عامة.
ويلفت نصية إلى وجود بعض الخلل في هذه المصالحات بالرغم من صدق النوايا وهذا الخلل ناتج عن الخطأ في تعريف مصطلح المصالحة الوطنية وآلية تفعيلها بحيث ينعكس على القضية الوطنية ككل، ومن هذا المنطلق قد حان الآوان لتصحيح مفهوم المصالحة الوطنية واقتراح آليات فعالة لتحقيقها.
مستطردا: “المصالحة الوطنية وخاصة في ظل الأزمة التي تمر بها بلادنا يجب أن تتجه إلى مفهوم المصالحة السياسية وليس المصالحة الاجتماعية لأنه من خلال الأولى يمكن تحقيق الثانية،والعكس غير صحيح، الصراع الليبي هو صراع سياسي بالأساس وليس صراع اجتماعي، فليس هناك اي عداوة أو خصومة بين القبائل والمدن الليبية وان وجدت فهي محدودة ونتيجة للصراع السياسي، لذلك فإن الاتجاه للمصالحة السياسية في هذه الحالة هو الاجدر والانفع لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي”.
ويرى نصية، المصالحة السياسية تبدأ بلقاء نخب من كل الأطراف دون استثناء من خلال مؤتمر وطني جامع لتحديد نقاط الخلاف بينهما والمقصود هنا بنقاط الخلاف القضايا الجوهرية التي تعيق عملية المصالحة. بعد الانتهاء من ذلك نكون فعلا قد توصلنا إلى مصالحة وطنية شاملة تهدف إلى بناء دولة تضمن الحياة الكريمة للجميع ويتم فيها تداول السلطة سلميا. عندها يمكن الانطلاق في مصالحة اجتماعية وجبر الضرر من خلال هياكل الدولة وفق إمكانياتها المادية.
من جانبه، يقول رزق فرج رزق ـ صحافي وكاتب ـ أن المصالحة الوطنية تبدأ بجبر الضرر المعنوي قبل المادي، وتأصيل الثوابت التي ترمي إلى تحقيق الهدف من المصالحة، كأن نتمعن في قول أفضل الخلق (ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) وهذا خير درس في المصالحة الوطنية، يكرس المصلحة العامة عن المصلحة الشخصية، من في بيت ابي سفيان؟ هند وما أدراك ما هند! إذا ما نظرنا بروح الانتقام والثأر.
وبحسب رزق، المصالحة الوطنية تبدأ بتغليب مصلحة الوطن، مروراً بالحوار الجاد الذي يحتوي على رؤية متعمقة للمشهد الراهن وتفكيك الأجسام الموازية، والتعامل مع المواطن على أساس مواطنته وليس عشيرته، وقوفاً عند ترميم النسيج الاجتماعي وجبر الضرر.
وطالب رزق بضرورة حلحلة الملفات العالقة وأبرزها تقريب وجهات النظر بين أبناء المناطق وخاصة المتجاورة، ودعم مشروع العدالة الانتقالية وتعزيز بقوة الدولة والقانون، الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة، وترجمة مشروع الوطن في برامج عملية، يستوعبها منطق التطبيق، الابتعاد عن الوعود المادية التي تثقل كاهل الدولة و تقف حائل دون تنفيذ.
كل هذا يأتي عند شارة البدء في مشروع المصالحة الوطنية، على بساط حسن النوايا، وليس الشعارات المرسلة. بحسب قوله.
تؤكد الباحثة في النوع الاجتماعي مديحة النعاس على أهمية دور المجتمع المدني والإعلام في إرساء قيم التسامح والمصالحة والعفو والعمل على وضع استراتيجية شاملة وغير إقصائية من خلال برامج توعية ودعم وتسيير حوارات بين الأطراف المختلفة والاستماع لكل الأطراف.وإعطاء الجميع مساحة امنة للتعبير عن المظالم والمخاوف والمطالب. أهمية الحوار هو إعطاء فرصة للجميع للتعبير عن ومشاركة مفهومهم الخاص للعدالة والاستماع للطرف المقابل والتفكير وإعادة تقييم تلك المفاهيم. بالإضافة، فإن الحوارات المشتركة تعطي فرصة للتعرف على المشتركات (الأرضية المشتركة) التي تجمع الليبيات والليبيين وتتيح فرصة العمل على هذه المشتركات كنقطة بداية مصالحة شاملة تُبنى على رؤية مشتركة لدولة القانون والعدالة.
وتضيف: “صوت المرأة والشباب لابد ان يُسمع فهما الأكثر تضرر من الانقسام والصراعات. وجود شبكات التواصل الاجتماعي وما تتيحه من فرص للمرأة والشباب للتواصل والعمل المشترك والوصول لشريحة كبيرة من المجتمع مما يزيد من تأثيرها على وسائل الإعلام التقليدية وعلى الرأي العام. عليه، اقترح أن تشمل أي استراتيجية عمل والاستفادة من منابر التواصل الاجتماعي كنقطة بداية لحملات توعوية وفتح نقاشات وحوارات حول المصالحة الوطنية”.
وتشير النعاس إلى أن ثقافة شيطنة الآخر التي يغذيها الانقسام السياسي والمناطقي والقبلي والأيديولوجي والتي تمتد جذورها لما قبل 2011، هي أحد العراقيل الأساسية لمصالحة وطنية عادلة ومستدامة. فقد عمل النظام السابق على تعزيز الانقسامات والفرقة من خلال إعطاء ونزع امتيازات لمناطق وقبائل ومجموعات بناء على الولاء أو عدمه. لهذا فأي مبادرة حقيقية للمصالحة الوطنية العادلة والمستدامة لابد أن تبدأ بالعمل على تغيير الثقافة السائدة ورفع الوعي بمفهوم المواطنة وحقوق الانسان.
وتتابع: يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تأسيس مبدأ المواطنة حق لكل الليبيات والليبيين مهما اختلفت توجهاتهم السياسية أو الدينية أو انتماءاتهم القبلية أو المناطقية أو الجهوية.
وترى مديحة النعاس: أن المحاسبة هي جزء لا يتجزأ من المصالحة الوطنية، خاصةً محاسبة من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما قبل وما بعد عام 2011، في ظل انتشار السلاح و تغول المليشيات. أي محاسبة لن تكون عادلة وستكون مجرد أفعال انتقامية تؤدي لازدياد الانقسامات والعداوات. فالمحاسبة العادلة تتحقق في ظل وجود دولة لا تحتكر العنف ويحكمها قانون عادل.
وأضافت النعاس، أن مشاركة الشباب في بناء الدولة تبدأ بتشجيعهم على نبذ السلاح والانخراط في الحياة المدنية، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل انتشار الفساد المالي وقلة فرص العمل والتدريب المهني وإعادة التأهيل للدخول في سوق العمل. لهذا لابد من إشراك الشباب في نشاط المجتمع المدني ورفع مستوى وعيه بأهمية دوره في الحروب وكيف يتم استغلاله من قبل النخبة المستفيدة من الفوضى وعدم الاستقرار. لابد أن تشمل استراتيجية المجتمع المدني استقطاب الشباب وتشجيعهم على المشاركة السياسية والمشاركة الفعالة في الحراك المدني من أجل التغيير الإيجابي.