منع الليبيات من السفر : قرار سياسي أم ديني؟
سالم العوكلي
تداولت صفحات التواصل الاجتماعي خبر صدور قرار يمنع سفر الليبيات دون محرم، وقد تريثت في الكتابة عن الموضوع حتى اتبين حقيقة هذا القرار الذي كنت بيني وبين نفسي استبعده، خصوصا ونحن في قلب حرب على الإرهاب ، وهذا قرار يحمل في طياته إرهابا من نوع آخر لنصف المجتمع الليبي القادر فيما بعد على أن ينتخب رئيسا للبلاد أو يسقطه. وبعد أن شاهدت صورة منشورة من القرار ومُوقعةً من قبل الحاكم العسكري لمنطقة درنة بن جواد، أيضا تمهلت لأني أدرك مدى القدرة على فبركة صور مثل هذه، ومازلت عند حسن ظني في أن قرارا مثله لن يصدر في منطقة تحارب بضراوة التطرف الإسلامي والإسلام السياسي الحري به هو إصدار مثل هذه القرارات، لذلك نشرت على صفحتي ملصقا حذرا مفاده “إذا كان قد صح ما أثير حول إصدار قانون أو قرار من أي جهة يمنع سفر النساء دون محرم، فهو يعتبر حكما ـ وليس حتى اتهاماً ـ على أخلاق المرأة الليبية، ويتطلب الأمر مقاضاة السلطات على هذا الإجراء من قبل المنظمات الحقوقية والنسائية أو غيرها.
ألا يكفي ما تعرضت له سمعة النساء الليبيات من تشويه إبان حراك فبراير حين روجت أبواق الفحول أكذوبة اغتصاب نساء مدن وقرى كاملة من أجل إدانة النظام السابق وجلب التعاطف الدولي.
أقول لمن أصدر أو يفكر في إصدار هذا القرار أو القانون، أن رجالا من يذهبون من المطارات إلى المواخير وليس نساءً، وأن رجالا من جلبوا الإيدز إلى ليبيا وليس نساءً، فاحترموا المرأة الليبية أرجوكم” .
ثم تابعت برنامج الإعلامي، أحمد القماطي، في قناة ليبيا الحدث، مستضيفا الشيخ الفاضل، أسامة العتيبي، حول الموضوع نفسه، ولن أخوض في حديث الشيخ حول شرعية القرار أو مدى توافقه مع الشرع، لأني اعتبر أن مسألة المرأة مسألة اجتماعية محضة تتعلق بمدى تطور المجتمع وعلاقاته المختلفة، ومدى ما يختفي من عاداته الاجتماعية أو يبقى .
لكن حين اتصل الحاكم العسكري اللواء ركن، عبدالرازق الناظوري، بالقناة ــ وهو رجل احترمه كثيرا وأجل نضاله وتضحياته في هذه الفترة الصعبة من تاريخ بلادي وهي مواقف سيسجلها التاريخ ــ حين اتصل وأوضح مبرر هذا القرار تأكدت لحظتها من أن ما تداولته مواقع الاتصال الاجتماعي صحيح، وأن الأمر يحتاج إلى نقاش، مع التأكيد على أن أهم ما فعلته فبراير هو تحرير الناس من الخوف وإمكانية أن تقول رأيها وتنتقد دون أن يتناقض هذا مع الاحترام الكبير لمسئولينا، وأنه علينا أن نفرق بين التقديس وبين الاحترام، لأن ما عانيناه من النظام السابق هو ثقافة تقديس الحاكم المطلق وتنزيهه عن النقد حتى وصلنا بليبيا إلى ما وصلنا إليه.
وقبل أن أذهب إلى التعليق على مبررات هذا القرار، سأسرد حكايتين لهما علاقة بالأمر:
العام 2007 كنت برفقة الصديق الكاتب إدريس المسماري في القاهرة حين وصلنا إيميل من السيدة زوجته، د. أم العز الفارسي، لمسودة بيان احتجاج على القرار الذي أصدرته أمانة اللجنة الشعبية العامة بمنع سفر النساء الليبيات دون محرم، وقد تعاونا معا في إعداد الصيغة النهائية لذلك البيان، وترتب عن ارتفاع أصوات عديدة محتجة إلغاء هذا القرار بعد مدة وجيزة، ولنكتشف فيما بعد أن ذاك القرار كان بسبب وجود سيدة أعمال ليبية في طرابلس لم يكن يريد رأس النظام مغادرتها البلاد.
الحكاية الثانية : حين أصدر المفتي المعزول الصادق الغرياني فتوى تحرم سفر المرأة دون محرم، كنت أدردش على النت مع بعض الأصدقاء من المنطقة الغربية ممازحاً، وأقول لهم، مبارك عليكم ولاية الفقيه ومبارك عليكم أفغانستان، أما نحن في الشرق فمحصنون بوجداننا الإسلامي السنوسي الذي أبعد عنا كل غزو مذهبي، وأؤكد أن هذا كان من باب المزاح وإن كان به قدر من الحقيقة التاريخية، لكني كنت أتألم فعلا لمدينتي العزيزة طرابلس، الحاضرة المثقفة، من الفتاوى المتخلفة التي تصدر فيها.
أما بالعودة إلى تعليقي على مبرر القرار الصادر حاليا والذي ربط منع سفر النساء ما دون عمر الستين من السفر لأسباب تتعلق بالأمن القومي، فيمكن تلخيصه في النقاط التالية:
أولا : هل أصبح ما يهدد الأمن القومي هو سفر النساء دون محرم في ليبيا التي تمتلئ أجواءها بالطائرات المجهولة بطيار ودون طيار، وتستباح شواطئها، وتُقصف مواقع على أرضها دون إذن من أي جهة سيادية، ويتقاطر عبر حدودها عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين على شواطئها.
ثانياً: إذا ما اعتبرنا أن ثمة نساء يتعاملن مع جهات خارجية مشبوهة، فهذه تهمة خطيرة يجب أن يكون مكان تداولها القضاء والمحاكم وليس وسائل الإعلام. مع الأخذ في الاعتبار أن ثمة دول متقدمة توجد بها مؤسسات مجتمع مدني رائدة، ومثلما تبعث الحكومة بعض أعضائها أو يبعث الجيش بعض أفراده إلى تلك الدول للتدريب وللاستفادة من خبراتها أو التزود بالإمكانات التقنية والأسلحة فإن هذه المؤسسات المدنية تقصد الدول نفسها التي تقيم ورش تدريب وتعليم فيما يخص آليات العمل المدني. ومن جانب آخر، إذا ما سلمنا مرة أخرى بأن ثمة معلومات استخباراتية موثوقة عن نساء يتعاملن مع جهات مشبوهة، فهل هذا يعني أن الرجال في المجتمع المدني المسموح لهم بالسفر بعيدين عن هذه التهم؟ وهل المرأة بعد سن الستين منزهة عن هذه التهم، وأليس من الممكن أن تصحب المرأة معها محرما وتتآمر مادامت المسألة متعلقة بالأمن القومي.
رابعا: لذلك فطبيعة القرار وطريقة تبريره وأسلوب صياغته يوحي بأنه متعلق بشأن ديني، وأميل إلى أن وجود الشيخ (الضيف) أسامة العتيبي في ليبيا يكمن وراء بعض ما يصدر من إجراءات وقرارات، خصوصا عندما قال في قناة الحدث ، وحينما كان المتصلون الليبيون يطلبون توضيحا لهذا القرار، قال “أنا لم أطلب التوضيحات لأنها وصلتني”. وأحب أن أقول في هذا الصدد أن الليبيين هم من انتخبوا مجلس النواب ومجلس النواب هو الذي أصدر قرارا بتشكيل الجيش الليبي الوطني وتعيين قيادته، لذلك فهذا الشعب أولى أن يصله التوضيح وليس سيادة الشيخ الفاضل أسامة العتيبي .
خامسا: من خلال حديث الشيخ الفاضل العتيبي في قناة الحدث هذه الليلة وقبلها، خصوصا بتأكيده المستمر على طاعة ولي الأمر، بل وأكد في لقاء آخر على القناة نفسها على أن “طاعة ولي الأمر واجبة سواء جاء عن طريق الانتخابات أو عن طريق سفك الدماء” وهي أحاديث مسجلة لدى القناة ، من خلال هذا الأحاديث استشفيت أنه قادم في مهمة تبشيرية تسعى لتصدير النموذج الاجتماعي والسياسي السعودي إلى ليبيا، خصوصا وهو يتدخل في شؤون ليبية اجتماعية وسياسية خالصة لا يمكن أن يحسمها سوى دستور ليبي يتوافق عليه الشعب الليبي عبر استفتاء عام، وأنا أدرك واقدر مخاوف السعودية مما يحدث في دول الربيع العربي لو أفضى إلى نظم ديمقراطية (وهذا ما سيحدث في النهاية لأن عقارب الساعة لا تسير إلى الوراء)، لكن أحب أن أطمئنهم أن لا أحد من هذه الدول تسعى لتصدير نموذجها السياسي والاجتماعي إلى الشقيقة السعودية التي لها خصوصيتها، فتوقفوا عن محاولة تصدير نموذجكم، وكلنا مسلمون أخوة، لكن لكل شعب خصوصياته وطوره الحضاري .