ملاحظات على ترجمة “تاريخ هيرودوتوس”
عمر أبو القاسم الككلي
كتاب “تاريخ هيرودوتوس” في ترجمته العربية من لغته الأصلية، التي أنجزها الأستاذ الدكتور محمد المبروك الدويب، جهد كبير جدير بالتنويه إليه والاحتفاء به. والاحتتفاء بأي كتاب كان لا يعني، من وجهة نظرنا، كيل المديح له وإغداق الثناء عليه. فهذا، على أهميته، لا يدفع إلى التفتح والتطور. وعلى هذا نرى أن الإشارة إلى الهنات والنواقص في كتاب ما هي جزء، لا ينفصل، عن فعل الاحتفاء، لما تعنيه هذه الإشارة من أن الكتاب استقبل بعناية واهتمام.
من هذه الرؤية نتناول في هذا المقال ما اعتبرناه هنات ونواقص تعكر صفاء الترجمة.
إضافة إلى الملاحظات التي أشرنا إليها في مقال سابق*، نركز في هذا المقال على نقاط ثلاث في سياق مآخذنا على هذه الترجمة.
تتعلق النقطة الأولى، الأكثر أهمية، بتماسك صياغة أسلوب الترجمة. فلقد أشار المترجم إلى ما واجهه من صعوبة في الترجمة وما بذله فيها من جهد مضنٍ، وأن هذه الصعوبات أدت به “إلى تغيير أسلوب بآخر أو زمن بآخر أو صيغة بأخرى […] بهدف الخروج بنص عربي سليم قريب من الأصل قدر الإمكان”. ونحن هنا نحاول تعزيز هذا التوجه هادفين إلى تحسن صياغة الترجمة، إذا ما كانت هناك إمكانية لإصدار الترجمة في طبعة جديدة.
في الترجمة، التي حرص الأستاذ الدكتور الدويب على أن تكون، حسب ما بدا لنا، قريبة من الحرفية، نصادف مفردات زائدة ينبغي الاستغناء عنها لأن وجودها يقلق صياغة الجملة. سنكتفي بإيراد بضعة أمثلة:
في ص 363، يرد “إذا كان ما يقولونه هو حقيقة، …” نرى أنه من الأوفق الاستغناء عن “هو” هنا. في ص 401 نجد “ثم لما وصل جيش الفرس في سهل سلاميس فإن ملوك الالكيبريين (القبرصيين) قد اختاروا افضل الجنود…”، في تصورنا أن الأنسب صياغة هذا السطر على النحو التالي “ثم لما وصل جيش الفرس سهل سلاميس اختار ملوك الكيبريين (القبرصيين) أفضل…”. في ص 407 نقرأ “اما استيايوس […] فإنه بعد أن أطاح به داريوس قد ذهب إلى سارديس وهو بعد أن وصل هناك […] وهو لم يقل فقط إنه لا يعلم…” في نظرنا يكون المقتبس أكثر استواء لو صيغ على النحو التالي: “اما استيايوس […] فإنه بعد أن أطاح به داريوس ذهب إلى سارديس وبعد أن وصل هناك […] لم يقل فقط إنه لا يعلم…”.
من جانب آخر، يستخدم المترجم لفظ “إله” و “إلاهة”، وأحيانا يستعيض عنهما بلفظتي “المؤله” و “المؤلهة” واضعا، أحيانا، أمامهما بين هلالين اللفظتين الأصليتين. وواضح أن هذا الخيار ينبع من مشاعر دينية إسلامية، أي أنها ترجمة آيديولوجية تضحي بالأمانة العلمية. في أحد الهوامش استخدم مفردة “المعبود” التي تبدو لنا ترجمة موفقة.
هناك ناحية أخرى تتعلق بالهوامش الشارحة لبعض المفردات التي تبدو لنا غير ضرورية. على سبيل المثال، يقول في أحد الهوامش شارحا لفظة ما “تعني ضيف أو أجنبي وفضلنا الأولى”. وفي هامش آخر نجد “الكلمة المستعملة […] تعني حيوان بري، أو حيوان متوحش أو صيد وفضلنا الأولى”، فمثل هذه الشروح تبدو لنا زائدة، لأن غالبية ألفاظ أية لغة تحمل أكثر من معنى والمترجم يختار معنى المفردة حسب انسجامها مع السياق، وليس مطلوبا منه أن يكشف آليات عمله في “مطبخه الداخلي”، إلا إذا كانت اللفظة تنطوي على تورية متعمدة لا يمكن أن تظهر في الترجمة.
* راجع عمر أبو القاسم الككلي: تاريخ هيرودوتوس كاملا في ترجمة عربية عن الأصل الإغريقي