مكافحة التطرف ليست مسؤولية المسلمين وحدهم
جوناثان راسل
في الوقت الذي وُجّهت فيه انتقادات لـ (الاستراتيجية الجديدة لمكافحة التطرف) لتغاضيها عن مبدأ حرية التعبير لصالح حرية التمييز العنصري، ومن خلال هذه المقاربة يبدو واضحا أن رئيس الوزراء البريطاني، كاميرون، يرغب في إيجاد حلول تقدمية لعملية مكافحة التطرف.
الفكرة الأساس من العيش في مجتمع ما، هي أنه لا توجد حقوقٌ فحسب، وإنما هناك مسؤوليات أيضا. في الوقت الذي لا يمكننا إجبار الناس على مكافحة التطرف إلا أن ديفيد كاميرون محقٌ في الإقرار بأنه من الإيجابي أن يضطلع المزيد من الناس بمسؤولياتهم لمعالجة هذا المرض الاجتماعي بالذات.
وفقا لـ "إيميل دُركهايم" فإن ما يربط أي مجتمع هو الضمير الجمعي، وهو هدف مشترك يسمحُ للمجتمع بالحفاظ على نزاهته وترابطه في العصر الراهن، عندما لا تعود أشياء مثل الدين المشترك والخلفية الإثنية تربط الناس سوية. فليس المجتمع إذن مجرد مجموعة من الأشخاص يعيشون معا في منطقة معينة، وإنما هو تجمع للأفكار، والمعتقدات، والمشاعر.
في هذه الحالة، جانبٌ من الضمير الجمعي لأي مجتمع يجب أن يكون مكافحة التطرف. واستخدام مصطلح "التطرف" وليس "الإرهاب" من قبل كاميرون أمر جوهري، لأنه يعكس فهما عميقا للقضية الشائكة الراهنة، ويتوجه إلى المجتمع باعتباره جزءا من الحل.
الأدوات المناسبة لمجابهة التطرف العنيف قد تكون بتعزيز القانون، والمراقبة، أو التدخل العسكري. لكن عندما تكون المهمة الأولى لأية حكومة هي حماية مواطنيها، فإن معالجة جذور المسألة ــ فكرة ما يحرّك هؤلاء الأشخاص، وقابلية البعض للتّحوّل للتطرف ــ أمر عقلاني تماما، ويحتاج إلى نسق استراتيجية جديد.
في الحقيقة يتعيّنُ أن يرحّب "اليسار" بهذه المعالجة، وهم الذين وقفوا تقليديا ضد استخدام (القانون أو الحرب) في مقارعة الإرهاب. على حزب الديموقراطيين الأحرار القبول ببديل لعملية المراقبة، وينبغي على حزب العمال دعم إعادة التأهيل في السجون. لكن كلي الحزبين، والكثيرون من حزب المحافظين يجب أن يضغطوا للحيلولة دون إقرار مقترحات قمعية قد يتضمنها قانون مكافحة التطرف، والتي للمفارقة، ستجعل من الصعوبة بمكان تطبيق الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها أخيرا.
إذا كان التطرف الخالي من العنف لا يخالف القانون، ويُنظر إليه باعتباره مرضا اجتماعيا، فمعنى ذلك أنه يقع خارج نطاق منظومة العدالة الجنائية. والجدل هنا يعني أن المجتمع ككل، وليس المنظومة القانونية وحدها، عليه الاعتراف بهذه القضية، والتعامل معها، والتخلص منها. إذن، ينبغي على المجتمع ككل أن يتخلص من الضرر الاجتماعي من أجل الصالح العام الأهم. ستوفر هيئات الارتباط المجتمعي، والتدريب المكثف للعاملين في تماس مع حالات التطرف، آلية مناسبة للتأكيد على أن الحكومة سيكون لها أقل دور ممكن في هذا المجال.
عمليا، سيعني ذلك أن هؤلاء العاملين يملكون المهارات الضرورية، والمعرفة، والفهم الكامل لمكافحة التطرف. يتعين كذلك أن يحظى المعلمون، وموظفو الخدمة الاجتماعية، ورعاة الشباب، وموظفو السجون بالتدريب الضروري للتعرف على المؤشرات الأولية، من قبيل الانعزال، وهشاشة الشخصية، والتغير في السلوك، وما إليها. التدريب من قبل الخبراء في هذا المجال مهم أيضا، ويجب أن يتم التركيز على الوقاية الجماعية، لا المراقبة الجمعية، ولا العقاب الجمعي.
كلما تكثف النقاشُ وتبادلُ الأفكار في هذا المجال، كلما ازدادت خبرة العاملين الأماميين في التعرّف على القابلين للتطرف بكافة أنواعه. والمهم أيضا بناء الثقة لدي هؤلاء العاملين للتفرقة بين الإسلام وبين التطرف الإسلامي، الأمر الذي سيحد من ردود الأفعال المفرطة التي قد تكون مضرة أكثر مما هي نافعة.
أحد أسباب استخدام نموذج "دوركهايم" الاجتماعي المتعلق بالضمير الجمعي، هو للتأكيد بأن المسلمين لا يمكنهم الاضطلاع بهذا الشأن بمفردهم. وما يشي بذلك هي الرسوم الساخرة لزعماء مجتمعيين يستندون إلى مقولات مشحونة بالضغينة ونظريات التآمر في معارضتهم لأية محاولة لمجابهة التطرف.
حتى ضمن المجتمعات الإسلامية، فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الزعماء الدينيين، بل علينا العمل بجدية لإشراك الناس عامة، وبالأخص النساء والشباب.
من الضروري أن نرى عملية التكامل تشير بعيدا عن الدين، من خلال وجوه أخرى للهوية، فاستخدام الدين فقط سيؤكد دعاوي الإسلاميين بأن المسلمين ينتمون أولا وأخيرا إلى مجموعة دينية وما عداها من هويات هي ثانوية. العامل الاجتماعي، والعرق، والجنس، والآراء السياسية والاقتصادية، جميعها مهمة وتؤخذ في الحسبان.
لن تنفذ هذه الاستراتيجية بين يوم وليلة، لكنها خطوة مؤكدة في الاتجاه الصحيح، كما أنها تحتاج إلى اعتراف جمعي. أما الاتكاء على مقولات قديمة مطاطة عن السياسة الخارجية، والكراهية ضد المسلمين، أو فشل الأجهزة الأمنية، فلن يساعد في فهم قضية التطرف.
في مكان ما تداخلت التروس المجتمعية، وتزايدت جاذبية التطرف. ومن الضروري للغاية إشراك المجتمع ككل في تحدي التطرف، وبناء التناغم المجتمعي، لأنه الوقت قد يكون متأخرا كثيرا على انتظار تدخل الجهات الأمنية.