مع اقتراب رمضان.. الغلاء يُفقر جيوب الليبيين
بات شهر رمضان علامة فارقة وشارة البداية للكثير من الأزمات التي تؤرق المواطن الليبي، وتتزامن مع ارتفاع الحاجات الاستهلاكية للعائلة الليبية، وتزايد الطلب على السلع والمنتجات.
أزمات تتناوب على تنغيص حياة الليبيين بشكل ممنهج دون أن تعالج بشكل جذري، فنقص إمدادات غاز الطهي بات ثابتاً طيلة شهر رمضان، وأزمات نقص الوقود تتابع بشكل دوري وتلقي بظلالها الثقيلة على تنقلات الليبيين وتنعكس سلباً على أسعار شحن ونقل البضائع بين المدن، مع تلازم انقطاع التيار الكهربائي مع أي تغيير في درجات الحرارة أو ارتفاع في معدلات الاستهلاك، ليقضي الليبيون الإفطار الرمضاني على ضوء الشموع أو ضجيج المولدات.
مشكلات تضغط على موازنة العائلة الليبية المثقلة أصلاً بأعباء الحياة اليومية، حيث يعتمد السواد الأعظم على المرتبات الحكومية التي لا تزال دون الحد الأدنى، وهي قصة أخرى في مشهدية المعاناة الليبية، فالمرتبات تتأخر لأشهر والسيولة المصرفية شهدت شحاً في أغلب المصارف التجارية بسقف سحوبات لا يتعدى الألف دينار شهرياً، ليجد أرباب الأسر أنفسهم في سباق مع الزمن لتوفير الاحتياجات الرئيسية في ظل أسعار قياسية طالت السلع الأساسية، دون أي تدخل حكومي لكبح جماح الأسعار.
واقع أنتج طبقات مجتمعية مستفيدة من طفرات الأزمات، والتي راكمت ثروات التجار الذين أصبحوا المتحكمين الرئيسين في الأسعار، رغم استمرار الدعم الحكومي عبر الاعتمادات والتسهيلات المستندية التي تغطي أغلب الواردات، والذي ظهر جلياً في الآونة الأخيرة مع أزمة الدقيق التي أدت لارتفاع ثمن رغيف الخبز الذي يعد المنتوج الأكثر حساسية وأهمية للأسر الليبية، بعد أن أوكلت وزارة الاقتصاد مهمة استيراد وتخزين وتسويق الدقيق للمطاحن الخاصة التي رفعت الأسعار بشكل فوري، تبعاً لأصداء الأزمة الروسية الأوكرانية رغم تحذيرات وزارة الاقتصاد التي لم تلقَ آذاناً مصغية ليقترب رغيف الخبز من سعر 50.0 قرشاً.
ضغط اقتصادي ومعيشي يتزامن مع ارتفاع نسب التضخم في البلاد لنحو 4.1%، وفق بيانات المركزي مع نهاية العام الماضي وتوقعات بوصوله إلى 8% هذا العام مدفوعاً بارتفاع التضخم العالمي وتغيير سعر صرف الدينار الليبي، الذي فقد 70% من قيمته في إطار إجراءات المركزي لاستيعاب ارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي، وتذبذب الواردات من العملة الصعبة التي تغطيها الصادرات النفطية.
وضع اقتصادي ثقيل جعل الليبيين يُعلّقون أنظارهم على تطورات الأزمات الدولية، بعد ما تبين لهم مقدار تأثر الاقتصاد الوطني بأبعاد النزاعات الدولية نتيجة الاعتماد الكلي على الواردات المستوردة، في ظل ارتفاع معدلات الانكشاف على الاقتصاد الدولي، حيث تحولت الحرب الروسية الأوكرانية حجة مستساغة للكثير من التجار الذين يحمّلونها ارتفاع الأسعار، الذي بلغ الضعف في الكثير من المنتجات الغذائية والسلع حتى تلك التي تعتمد على المواد الخام المحلية، كصناعة الحديد والصلب التي حلّقت أسعارها متجاوزة 500 دينار لقنطار حديد التسليح، لترتفع معه كلف الإنشاءات والعقارات في بلد تسجل فيه أسعار المنازل والوحدات السكنية قيماً مرتفعة.
ورغم ارتفاع فاتورة المعيشة وتوالي الأزمات، يظل الاستقرار الأمني هاجس الليبيين الأول، حيث يتصاعد التوتر الميداني في شهر رمضان في تزامن لافت تكرر خلال السنوات الماضية، وبات مادة لتندر الليبيين الذين يرون في الاحتراب الداخلي سُنّة يحرص الفرقاء على إحيائها كل عام مع اقتراب شهر رمضان، في كوميديا سوداء وسط مشهد القتل والدمار والتهجير وآلام النزوح، حيث تتداخل أصوات المدافع مع أصوات الآذان والاجتماع على الموائد.
مشهد كاد أن ينزلق إليه الوضع مؤخراً لولا تدخلات إقليمية ودولية حالت دونه، إلا أنه كابوس ظل يلازم الليبيين مع استمرار الانسداد السياسي وارتفاع فرضيات الحرب أمام كل منحى تعيشه الأزمة السياسية، التي تتقاطع مع متوازيات الأزمات الاقتصادية ويدفع فاتورتها المواطن البسيط المجبر على التعايش مع الأزمات رغم اشتداد الظروف وانعدام الخيارات.