معضلة القاعدة الانتخابية
جيمس زغبي
لدينا رئيس، يحتفظ بقاعدة صلبة من المؤيدين على الرغم من الانتقادات الموجهة إليه .ويبدو أن دونالد ترامب لا يمكنه قضاء يوم واحد دون استخدام تويتر أو الإدلاء بتصريحات من الواضح أنها مبالغ فيها.
ومن بين مبالغاته الغريبة تلك التي تتعلق بحجم تجمعاته، أو مساحة ثروته، أو عدد الوظائف التي أوجدها، أو الأوسمة التي حصل عليها. ومع ذلك، هناك التصريحات الأكثر ضرراً والتي أدلى بها مستهدفاً أفراداً في وسائل الإعلام أو القضاء أو الكونجرس أو مجتمعات الأقليات الضعيفة – حيث وصفهم بأنهم يشكلون خطراً، أو حتى معادين لأميركا، «أعداء الشعب».
وهناك بعض التغريدات أو التوبيخات التي تسببت في حالة من عدم اليقين بشأن سياستنا الخارجية، مما أدى إلى الذعر بين حلفائنا، والتفاخر والتهديدات بشأن القضايا التجارية أو السياسات الداخلية التي تسببت في الفوضى بالأسواق العالمية.
والأمر المثير للقلق ليس مجرد التشوهات المتراكمة التي أصبحت أكثر تواتراً بمرور الوقت. الأكثر إثارة للقلق هي استطلاعات الرأي التي تظهر أن حوالي 30% من الناخبين يقولون إنهم يعتقدون أن هذا الرئيس يقول دائماً الحقيقة. هؤلاء هم الناس الذين كان «لينكولن» يشير إليهم عندما تحدث عن خداع «بعض الناس طوال الوقت». هنا يجب أن نطرح السؤال «لماذا؟» ما الذي لا نفهمه بشأن مؤيدي ترامب؟ كيف كان الخبراء السياسيون مخطئين باستمرار بشأن هذا الرئيس وأولئك الذين يؤيدونه؟
منذ الأيام الأولى لسباق عام 2016، أعلن النقاد أن ترامب غير مناسب للترشح للرئاسة، وافترضوا بعد كل نوبة من نوبات غضبه المبكرة أنه قد انتهي ولن يصبح المرشح. وحتى الآن، هناك أعمدة يومية يكتبها نفس المعلقين ويصفون فيها مدى ضجرهم من غضب ترامب، ويتنبؤون بأن رئاسته لن تحقق نجاحات.
لقد كانوا مخطئين لأنهم فاتتهم نقطة أساسية: لا تزال هناك قاعدة كبيرة من الناخبين الذين، على الرغم من كل الأدلة التي تقول عكس ذلك، يعتقدون أن ما يقوله ترامب صحيح، وهؤلاء يتشبثون بقيادته.
بالإضافة إلى الـ 30% من «المؤمنين الحقيقيين»، هناك أيضاً هؤلاء «الجمهوريون» من التيار السائد الذين يؤيدون الرئيس. لقد أدركوا قوة قاعدته، وخافوا من مواجهتها، وشعروا أنهم إذا أيدوه، سيمكنهم الاستفادة من رئاسته في تحقيق أهدافهم من رفع القيود، وتعيين قضاة أكثر محافظة وفرض المزيد من الضرائب التراجعية – وكل هذا، في الواقع، تمكنوا من تحقيقه.
والمفتاح لهذا أنهم كانوا يخشون قاعدته. لقد رأوا الحماس الذي ولد في مسيراته. وأدركوا أنه نظراً إلى التفاني الذي ولَّده، سيكون من الخطر معارضته. واعتقدوا أيضاً أن التأييد اللاعقلاني الذي حصل عليه كان قوياً.
هذه هي المشكلة التي يجب أن نفهمها والمعضلة التي يجب أن نواجهها. نحن نعلم السبب الذي يجعل قاعدة الحزب «الجمهوري تدعم هذا الرئيس –إنه ينفذ الجزء الخاص به من «الصفقة». ولكن لماذا تواصل «قاعدته» – التي تتكون من نسبة كبيرة بشكل غير متناسب من ذوي الدخل المنخفض، والبيض الأقل تعليماً، والذين يعيشون في مجتمعات زراعية أو تعدينية أو صناعية كانت مزدهرة في السابق – لماذا تواصل هذه القاعدة تعليق عدم تصديقهم ودعمه؟ ولماذا يظلون معه على الرغم من حقيقة أن السياسات التي أصدرها لم تكن في مصلحتهم فحسب، بل ثبت أنها مضرة لمستقبلهم الاقتصادي؟
لقد وعد بحماية وظائفهم، وتزويدهم برعاية صحية أفضل، وإعادة الازدهار إلى مجتمعاتهم، وإعادة فتح مناجمهم المغلقة أو إعادة مصانعهم. لم يحدث أي من هذا، ومع ذلك ما زالوا مؤيدين. لذا، بينما يمكننا أن نرى كلمات لينكولن تتلاشي – أنك حقاً «يمكنك خداع بعض الناس طوال الوقت» – فإن التحدي يكمن في فهم السبب، على الرغم من كل الأدلة على عكس ذلك، فإنهم ما زالوا يؤمنون به.
إذا كان من الممكن أن أقترح إجابة، فهي ليست لأنهم سيئون أو أغبياء أو يمكن تضليلهم بسهولة. ولكن بالأحرى: لأنهم معزولون بشدة عن المؤسسات التي خذلتهم، إنهم قلقون من أن يفقدوا السيطرة على حياتهم وقيمهم في عالم يتغير بسرعة ويتركهم وراءه، إنهم غاضبون لأن النخب الحاكمة منا تنظر إليهم نظرة دونية أو لا تفكر في احتياجاتهم، وهم يحتاجون بشدة إلى الاعتقاد أن ترامب مختلف لأنه يتحدث إليهم مباشرة عن غضبهم وخيبة أملهم وانعدام أمنهم وحاجتهم إلى الشعور بالتمكين.
هذا، كما أرى، السبب الذي يجعلهم مستمرين في التصديق –لأنهم بحاجة إلى الإيمان بشيء وهو «الوحيد الذي يوفره».
عندما أسمع «الديمقراطيين» المرشحين للرئاسة وهم يجعلون هزيمة دونالد ترامب محط اهتمام حملتهم، فإنني أشعر بالقلق من أنهم يفتقدون هذه النقطة. والأكثر خطورة وافتقاراً إلى البصيرة هؤلاء الذين يترشحون ضد ناخبي ترامب من خلال الاستخفاف بهم. وجعل هذه الحملة تتعلق بحشد «ناخبينا» لكي يصبحوا أكثر عدداً وانتصاراً على «ناخبيهم»، ربما يؤدي إلى انتصار قصير الأجل ولكن على حساب بلد أكثر انقساماً، وقد يؤدي هذا إلى مزيد من الاضطرابات الاجتماعية.
وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون الهدف هو المعالجة المباشرة للغضب وخيبة الأمل والعزلة وفقدان السيطرة لهؤلاء الذين يشعرون أنهم استبعدوا من المناقشة الوطنية. والمطلوب هو رسالة تخاطب الناخبين من جميع الأطياف، وتخبرهم أن صوتهم مسموع وأن احتياجاتهم ستتم معالجتها من خلال مقترحات لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي يشمل ويفيد الجميع.
وإذا تمت معالجة احتياجاتهم بشكل مباشر، وفهم غضبهم وعزلتهم، سيكونون قادرين على التغلب على شعورهم بالإهمال. وعند هذه النقطة، ربما يكونون في وضع يسمح لهم بنفض الغبار عن أعينهم وإدراك أنه، طوال الوقت، كانوا مخدوعين وهناك من قام باستغلالهم.
*رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن