مستقبل الإرهاب
بيتر بيرغن
بينما تقرأ هذا المقال، يحتفل تنظيم «القاعدة» بعيد ميلاده الـ30. وتبعاً لسجلات الاجتماع التأسيسي للتنظيم التي عثر عليها في البوسنة عام 2002، التقى أسامة بن لادن وسبعة رجال آخرين في بيشاور بباكستان، على مدار عدة أيام في أغسطس (آب) 1988، لمناقشة تأسيس «القاعدة».
وكان جميع الرجال الذين اجتمعوا لمناقشة تأسيس «القاعدة» قد شاركوا في الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان. ومع انحسار الحرب ظهرت بداخلهم الرغبة في نقل الحرب المقدسة إلى ساحات أخرى.
واتسم البيان التأسيسي الذي أصدروه فيما يتعلق بـ«القاعدة» بالغموض والفخامة. وأشار البيان إلى أن التنظيم سيكون «فصيلاً إسلامياً منظماً، هدفه إعلاء كلمة الله ونصرة دينه».
وأشارت الوثائق التأسيسية للتنظيم الإرهابي، إلى أن «عمل (القاعدة) بدأ في 10 سبتمبر (أيلول) 1988 بمجموعة تتكون من 15 أخاً».
وبعد مرور ثلاثة عقود، لا تزال «القاعدة» مستمرة في إرهابها. ومع أن التنظيم لا يبدو أنه قادر اليوم على تنفيذ هجمات ضخمة ضد الولايات المتحدة على غرار هجمات 11 سبتمبر، فإن «القاعدة» والجماعات الموالية لها لا يزال لها وجود داخل أفغانستان وشمال أفريقيا وباكستان وسوريا واليمن.
وتعتبر العقود الثلاثة فترة طويلة بالنسبة لبقاء جماعة إرهابية على قيد الحياة؛ خاصة جماعة تتعرض لهجمات مستمرة وقاسية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها.
ومع هذا نجحت «القاعدة» في البقاء، ويبدو أنها تعد حمزة بن لادن، أحد أبناء أسامة، ليكون الزعيم القادم للجماعة. جدير بالذكر أن حمزة (وهو في أواخر العشرينات من عمره) ظهر خلال العامين الماضيين في عدد من الفيديوهات الدعائية لـ«القاعدة».
من ناحيته، يضفي حمزة بن لادن وجهاً أكثر شباباً على «القاعدة»، عن زعيمها الحالي المصري الدكتور أيمن الظواهري، وهو في أواخر الستينات من عمره.
بعد الغزو الأميركي للعراق، خرج تنظيم «القاعدة في العراق» من رحم التنظيم الأصلي، وبعد عقد تحول إلى تنظيم داعش.
وفي ذروة قوته، سيطر «داعش» على أراض في حجم المملكة المتحدة، وعدد سكان يكافئون سكان سويسرا. إلا أن هذا كله تقريباً تلاشى الآن. واليوم لم تعد رايات «داعش» السوداء ترفرف فوق أي مدينة عراقية. وداخل سوريا يسيطر «داعش» على مساحات صغيرة من الأراضي. وتعتبر خسارة الأراضي التي كان يسيطر عليها في وقت مضى، صفعة قوية لـ«داعش»، الذي ادعى أنه أقام دولة خلافة حقيقية على الأرض. وفي ذروة قوته اجتذب «داعش» إليه 1500 مقاتل أجنبي، سافروا للانضمام إلى صفوفه كل شهر من مختلف جنبات العالم، وجاء الآلاف منهم من الغرب. أما اليوم، فيقترب تدفق المقاتلين الأجانب على «داعش» من صفر؛ لأنه لا أحد يرغب في الانضمام إلى فريق خاسر.
بالتأكيد لا يزال بمقدور «داعش» إلهام هجمات في شتى أنحاء العالم، مثلما فعل في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما اقتحم سيف الله سايبوف بسيارته حشداً من الناس في أحد الشوارع المزدحمة في حي مانهاتن، وتسبب في مقتل ثمانية أشخاص. إلا أن هذا الهجوم لا يقارن بالهجمات الضخمة التي دبرها ووجه إليها «داعش» في باريس، في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، عندما قتل 130 شخصاً.
اليوم تحول «داعش» إلى مجرد صورة باهتة لما كان عليه ذات يوم. ومع ذلك فإنه يشكل عرضاً لمشكلات أعمق داخل الشرق الأوسط وأوروبا، وهي مشكلات لم تختف، ومن المحتمل أن تمهد الساحة أمام ظهور وليد جديد على غرار «داعش» في المستقبل.
وتتضمن هذه المشكلات العميقة، حروب المنطقة التي تسببت في تفاقم التوترات بين الدول الخليجية وإيران. تجدر الإشارة هنا إلى أنه من رحم الحرب الأهلية السورية ظهر «داعش» للمرة الأولى. وأضف إلى ذلك انهيار الحكومات في دول مثل ليبيا واليمن، وظهور جماعات مثل «داعش» في دول مسلمة ضعيفة.
وازداد الوضع تعقيداً بسبب استمرار ضعف اقتصادات عربية، الذي أدى إلى موجة غير مسبوقة من هجرة المسلمين إلى أوروبا. وغالباً لا يندمج المهاجرون المسلمون بصورة جيدة داخل الدول الأوروبية، ويخلق هذا بدوره بداخل بعض الشباب المسلم مشاعر اغتراب تدفعهم باتجاه الحركات الجهادية المسلحة. وازداد هذا الشعور بالاغتراب بسبب صعود أحزاب أوروبية قومية متطرفة كانت مهمشة في وقت مضى على الساحة السياسية الأوروبية؛ لكنها أصبحت قوى سياسية مهمة اليوم، ولها شعبية غير قليلة نتيجة مواقفها القوية المعادية للهجرة.
ومن المحتمل أن يخلق هذا المزيج من العوامل موجة إرهابية جهادية جديدة، ربما لا تكون في قوة «داعش»؛ لكنها سوف تظل مشكلة داخل الشرق الأوسط وأوروبا على امتداد المستقبل المنظور.
ومن المعتقد أن الجماعات الجهادية في المستقبل ستتبع نهج «داعش» فيما يخص حشد الأنصار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتجنيد النساء، وإلهام هجمات في الغرب.
وسوف تضيف الجماعات المستقبلية إلى تكتيكات الدهس بالسيارات التي يكاد يكون من المستحيل منعها. وسوف تشن هجمات باستخدام قنابل مصنوعة من بيروكسيد الهيدروجين، وهي مادة متوفرة ومن السهل الحصول عليها، كما ستستخدم طائرات من دون طيار مسلحة، والتي يصعب التصدي لها.
* نائب رئيس مؤسسة «أميركا الجديدة». ألَّف سبعة كتب عن الحرب في أفغانستان. خبير «سي إن إن» في مكافحة الإرهاب. أول صحافي غربي يلتقي بن لادن في تورا بورا.
نقلا عن: الشرق الأوسط اللندنية