مسؤولية الخبر ونقله
مينا العريبي
يشهد عالم الإعلام ونقل المعلومات تقلبات غير مسبوقة منذ أكثر من عقد بسبب نقلات تقنية نوعية خلال هذه الفترة. هناك 3 حالات مترابطة تواجهنا اليوم في نقل المعلومة، وهي باتت تؤثر في تصورات مجتمعات كاملة، وأحياناً قد تؤثر في مسار دول بأكملها. الحالة الأولى هي قدرة أي شخص اليوم أن يكون مصدراً للمعلومة ونشرها على نطاق واسع. الحالة الثانية، هي سعي وسائل الإعلام للحصول على أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين، متنافسين مع ناشرين مستقلين لا يتحملون المسؤولية نفسها، مما قد يجعلهم يقومون بنقل معلومات خاطئة. أما الحالة الثالثة، وربما الأخطر، فهي نشر المعلومات الخاطئة بشكل متعمد، ولأغراض زعزعة الاستقرار ونشر الذعر بين الناس.
بالنسبة للحالة الأولى، التطور التقني جعل كل شخص يحمل هاتفاً «ذكياً» فيه كاميرا ومتصلاً بشبكة الإنترنت، أن يسجل بالصوت والصورة أي حدث يشهده، وينقله عبر الفضاء الإلكتروني. وقد احتفل هاتف «آيفون» بعيده العاشر قبل أشهر قليلة. ومثل غيره من الهواتف الذكية بات عنصراً أساسياً في حياتنا المعاصرة. ومع تنامي شبكات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك»، أصبح من الممكن نشر هذه الأحداث، مما يعني أن كل من يحمل هاتفاً ذكياً ولديه حساب على وسيلة إعلام اجتماعية أصبح ناشراً.
ومع هذه القوة تأتي مسؤولية كبيرة. فبات من يتمتع بقدرة نشر الأخبار أو الصور اليوم غير مسؤول أمام محرر يتأكد من دقة معلوماته أو يحثه على توخي الحذر في نشر المعلومة. وبالطبع، نقل الخبر ونشره لا يعني أن المرء بات صحافياً أو مراسلاً موثوقاً. وهذه من المشاكل التي نواجهها اليوم، في تفشي أخبار غير صحيحة ولكن كلما كانت أكثر إثارة تم تداولها. وهناك أخبار تأتي من أطراف غير معروفة تتناقل الأخبار من دون الإعلان عن توجهها السياسي أو التحريري مسبقاً. وأحياناً نرى وسائل إعلام تقليدية تنجر وراء نشر الأخبار قبل التأكد منها، خشية أن تفقد «السبق الصحافي». ومن هنا تأتي الحالة الثانية التي وصفتها مسبقاً من تأثير التقنية الجديدة على وسائل الإعلام التقليدية. فعلى سبيل المثال، نقلت وكالة «رويترز» خبراً خطأ من وسائل إعلام حوثية تدعي بأن الحوثيين أطلقوا صاروخاً على أبوظبي يوم الأحد الماضي. وعلى الرغم من أن الوكالة لديها مكتب في الإمارات، فإنها اختارت أن تنقل المعلومة قبل التأكد منها والاعتماد فقط على تعبير «بحسب وسائل إعلام حوثية»، للتنصل من مسؤولية التأكد من الخبر قبل نشره. وبالطبع كان الخبر خاطئاً جملة وتفصيلاً. ومع سعي بعض وسائل الإعلام للحصول على أعلى نسبة من المتابعين، باتت بعض تلك الوسائل التقليدية تنساق وراء الأخبار المتسارعة من دون تحري الدقة والتأكد من صحتها.
وهناك الحالة الثالثة التي باتت تثير قلق كل من يخشى من تضارب المعلومات وتأثير ذلك في الحقيقة والتصورات الصائبة. وهي حالة استغلال دول ودوائر استخباراتية لوسائل التواصل الاجتماعي لبث المعلومات الخاطئة. وقد نمت هذه الظاهرة خلال العامين الماضيين، وظهر تأثيرها في الانتخابات الأميركية والتطورات الأوروبية خلال تلك الفترة. فعلى سبيل المثال، وبحسب «فيسبوك»، فإن 120 صفحة مزيفة ومدعومة من روسيا نشرت 80 ألف خبر تناولها 29 مليون أميركي مباشرة وملايين آخرون ممن قرأوا الصفحات بسبب مشاركة أصدقائهم ومعارفهم لها. 80 ألف خبر زائف يصل على الأقل لـ29 مليون أميركي أثرت في قرارهم في الانتخابات الأميركية العام الماضي. إنها حالة واحدة من الكثير من الحالات التي باتت ضمن شبكة نشر المعلومات حول العالم. وقد استغل تنظيم داعش هذه الحالة أيضاً، وسعى في سوريا والعراق وحول العالم لأن ينشر المعلومات الخاطئة لبث الذعر أحياناً، وكسب الشباب المتأثرين بخطابات رنانة أحياناً أخرى.
وبالطبع، تناقل الأخبار الزائفة ليس ظاهرة جديدة. وتعتبر الأخبار المفبركة من أسلحة الحرب منذ قرون. وفي كتابه «فن الحرب»، كتب الجنرال الصيني الشهير سان تزو قبل 2500 سنة: «الحرب كلها خدعة، إذا كنت تستطيع أن تفعل شيئا، اجعل العدو يؤمن بأنك غير قادر على ذلك». واليوم تستخدم إيران أيضاً خدعاً في نشر المعلومات الخاطئة بلغات عدة، منها العربية، من بينها وسائل «الإعلام الحربي» التي انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي. والخدع في الحرب معروفة، وما اختلف أنها باتت اليوم تأتي لنا مباشرة وباختيارنا، فأصبحت تؤثر في حياتنا اليومية.
وعندما نفكر في كل وسائل نشر المعلومات الخاطئة قد تبدو المشكلة أكبر منا جميعاً. ولكن في الواقع لدى كل منا قوى للتحكم كقراء ومستخدمين لوسائل التواصل بشتى أنواعها. فعندما تصل لأي منا رسالة، أو صورة، علينا التدقيق فيها، والسؤال عن مصدرها وعما إذا كانت موثوقة، قبل نشرها. فوضع عبارة «كما وردني» لا تعفي من ينقل الخبر عن مسؤولية التأكد من دقته. ولو كان كل شخص يتحمل مسؤوليته في التدقيق والتأكد من عدم السماح لصورة زائفة أو خبر مفبرك من الانتشار، لانحسرت الكثير من الحالات التي تثير التفرقة وتنشر الجهل.
كل منا اليوم أصبح ناشراً، يتحمل مسؤولية النشر وتوزيع الأخبار التي ترده، إذا كان عبر البريد الإلكتروني أو «الواتساب» أو غيرها من وسائل. ونقل المعلومة أمانة؛ فقبل أن تكبس زر «المشاركة» فكر في هذه المسؤولية ملياً.
…………….
الشرق الأوسط