مراجعة The Pathless
خاص | أحمد سامي
في وقتنا الراهن، صناعة الأنمي باتت تتمحور حول تقديم القدرات الجرافيكية الأقوى في كل لعبة، وربما تكون القصة عاملًا في الأمر أو لا، لكن دائمًا وأبدًا الأولوية تكون للجرافيك. حتى أن استوديوهات الإندي الصغيرة باتت تكافح لإخراج أعمال قوية على المستوى البصري، ودفع قدرات الفريق محدود العدد أكثر وأكثر حتى يهلك تمامًا. وبينما الصناعة كلها تقريبًا تهتم بهذا الأمر، أتى استوديو Giant Squid وقدم للجمهور وجبة لذيذة للغاية، وبجرافيك غير مُهلك لعتاد الهارد وير، لكنه ممتع بصريًّا بطريقة غير متوقعة.
لعبة The Pathless صدرت لمختلف المنصّات، وكانت من العناوين المنتظرة تحديدًا للعب على أجهزة الجيل الجديد مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس، كما أن معدل تحديث إطاراتها مع الحواسيب الشخصية الخارقة مثير للانتباه فعلًا. لكن السؤال هنا.. هل استطاع الاستوديو تقديم قصة جيدة هنا للدخول بأرضية صلبة في عالم الألعاب الجرافيكية العملاقة؟ أم أن الرهان لم يكن موفقًا؟
القصة مستقاة من الاسم، والاسم معتمد على القصة.. حسنًا، الأمر يحتاج إلى تفسير بعض الشيء.
اسم اللعبة هو The Pathless، أي عديم المسار. الاسم يوحي بأن البطل (أو البطلة) سيحاول أخذ أكثر من مسار في حياته، لكن لن يفلح في أيٍ منهم، أو يحاول إيجاد مسار له في الحياة نفسها، بينما العالم من حوله مطموس المعالم ولا يوجد به شقوق يستطيع النفاذ من خلالها إلى مأربه الأثير، أو يمكن حتى أن المسارات نفسها موجود وليس بمقدوره الدخول فيها بأي شكل. كلها أفكار تصب في نفس الفكرة والحالة الشعورية: التشتت.
بطلة اللعبة معدومة الاسم، فهي الصيّادة، هذا لقبها، والآن عليها الدخول في أراضٍ قاصية حتى تحررها من قوى الظلام المسيطرة عليها. تلك القوى آتية من العالم الأرواح، لكن هذا لا يعني أن كل الأرواح شريرة، بالعكس، فهناك أرواح أخرى مظلومة بالضبط كما البشر، لكن لا يمكن إلا لقلة قليلة رؤيتها، وبطلتنا من ضمن تلك القلة، وهذا ما يجعل القصة مثيرة للغاية.
أثناء الأحداث تحاول الدخول في شقوق وجحور ومباني وحصون عالمها الواسع، فقط لكي تحصل على قطع ذهبية تمكنها من تخليص أبراج العالم من الشر، وبالتبعية تُضعف من سلطة الكيان المظلم على الأرض، وتحرر الأرواح المحبوسة بداخل قبضته الحصينة.
المشكلة الوحيدة هي أن البطلة لا تعرف ماذا يجب أن تفعل بالضبط، وإلى أين بالتحديد ينبغي أن تذهب، لا توجد خريطة إرشادية، لا توجد دلائل واضحة على أماكن القطع التي ستساعدها على تنفيذ المهمة، ولا يوجد ضامن أن كل الأرواح التي ستقابلها في طريقها مسالمة ولطيفة. من بداية القصة لنهايتها نعيش حالة كاملة من التشتت والضياع، واللذان بشكلٍ غريبٍ للغاية.. لا يبدوان منفرين على الإطلاق!
هنا تُدب في القصة الحياة فعلًا. إذا نظرنا جيدًا للمحتوى، فسنجد أنه ما إلا فتاة تحمل قوسًا وتتجول في كل مكان من أجل الوصول لقطع ذهبية معينة، ثم في النهاية تذهب إلى وحشٍ كبير لتقاتله وتخلصه من شرور سيد الظلام، حتى نجد أنفسنا في معركة نهائية كُبرى وصعبة جدًا.
لكن إذا وضعنا أسلوب اللعب في الحسبان، تتغير المعادلة تمامًا. فجأة القصة التي تبدو بسيطة ومملة جدًا من الخارج، تصبح واحدة من أجمل قصص ألعاب الإندي التي صدرت هذا العام حصرًا.
هنا تجب المقارنة مع ألعاب العالم المفتوح الأخرى، لكن لا تقلقوا، فالتجربة هنا لا تُضاهى إلا بألعاب AAA عملاقة لا تصدر إلا كحصريات لأجهزة اللعب المنزلي. ينطوي أسلوب اللعب على قدر مهول جدًا من السلاسة في الحركة، الجري، الوثب، الطيران، وحتى المشي التقليدي.
فكرة اللعبة كلها قائمة على المشي في العالم المفتوح، ثم رمي السهام على علامات معينة في سماء العالم، ثم حصد النقاط التي تساعد على شحن شريط طويل يمثل قدرتك على الجري السريع. تلك العلامات موزعة في كل مكان بغزارة ملحوظة، حيث أن وجودها قهري لكون المكان من حولك في الأساس سيكون التجوال فيه بمثابة انتحار إذا أخذتها “سيرًا” على الأقدام.
نظام المكافأة بسيط ومتوافق مع البساطة العامة للعبة ككل، حيث يرتقي عتادك بتحرير الأرواح (تسلم الأرواح عتادًا جديدًا لك بنفسها)، وكذلك تزداد قدراتك في الجري والوثب والطيران، وكلها متسقة مع مستوى تصاعد صعوبة الخصوم أثناء اللعب. لكن عيبها الوحيد هو الفقر الفني، تقريبًا نفس المكافآت هي المطروحة في كل مرة، بنفس الترتيب، ونفس الآلية، فقط مع اختلاف أجواء الحصول على فرحة النصر.
هنا يمكن القول أن العلامة المميزة للعبة The Pathless هي أسلوب اللعب التسارعي الذي يعتمد على الكر والفر والجري والوثب باستمرار ودون هوادة على الإطلاق، هذه هي المتعة كلها. لكن من الناحية الأخرى القصة قصيرة إلى أقصى حد، ونمطية جدًا من حيث مراحلها؛ في كل مرحلة نُزيح الشرور عن أبراج العالم ثم نقتل الوحش الكبير ونستعيد نقاء روحه، ثم ننتقل للذي يليه حتى نصل لنهاية القصة.
نمطية قاتلة للمتعة بالنسبة لمُحبي ألعاب القصص تحديدًا، وهذا لأن القصة مثيرة ومادة خصبة للكثير من الأحداث، لكن حصرها في قالب مهام تكرارية بهذا الشكل هو الذي قتلها. أما إذا كانت أطول، مع أسلوب لعب بهذه السلاسة، لأصبحت في مكانة أخرى تمامًا.
للحكم على الجرافيك جيدًا، هناك نقطتان. الأولى هي تقديم لعبة ذات قصة جيدة مع جرافيك متوسط بين عمالقة الـ AAA، والثانية هي طرح جرافيك تناسب مع القصة نفسها، وفي الاثنين نجح فريق التطوير في تقديم عمل فني جيد فعلًا، وتجربة لعب معتمدة على تجانس الجرافيك أكثر من اعتمادها على القصة.
في الواقع معظم مفردات البيئة مسطحة بالكامل، لا توجد بها تفاصيل دقيقة تجعل العين منجذبة إلها بشكلٍ إجباري، الرسوميات كلها بسيطة ومُنعمة الأطراف. يمكن وصف تجربة اللعب المبنية على الجرافيك هنا على أنها لوحة كلاسيكية لفنان لا يهتم بإبراز تفاصيل شخصياته، لكن اللوحة مريحة مهما أطلت النظر فيها.
بالطبع كان يمكن تقديم تفاصيل بسيطة في بعض المشاهد بعينها حتى تُضفي بُعدًا أعمق لها وتزيد من تفاعلية اللاعب معها، لكن تم استغلال تضاد الألوان (أزرق –أحمر – أبيض) في تقديم ذلك العمق. أجل الاستعاضة كانت شبه ناجحة، لكن رسم تفاصيل أخرى كان ليصبح أفضل بمراحل.
في الأعمال الحربية، هناك شخص دائمًا نجده يُدعى “مهيب الركن”، إنه ذلك الرجل الذي يقوم بتحريك كل شيء من خلف الستار، ويقوم بدفع القصة للأمام حتى دون أن يظهر بنفسه في الأحداث، رجل حامل لكل أمارات الكاريزما الطاغية فقط من مجرد تأثيره في العالم من حوله؛ إذا كانت المقطوعات الموسيقية في The Pathless رجل حرب، لكانت هي مهيب الركن.
المقطوعات الموسيقية مزجت بين الأوركيسترالية تارة، والريفية تارة أخرى. في بعضها نلمس حقًا شاعرية الموقف عند النظر للمساحات المفتوحة من حولنا والموسيقى تصدح في الخلفية، وفي بعضها الآخر نشعر وكأن العالم كله يتصدع وسوف تسقط أعمدته فوق رؤوسنا وتُعيد الكون إلى نقطة بدايته الأولى، ليبدأ كون جديد خالٍ من كل تلك الشرور. كما أن صوت البيئة ممتاز، احتكاك الأقدام مع المزروعات يصدر حفيفًا مميزًا، وترنيمات الأرواح تُضفي جوًّا “روحانيًّا” على التجربة ككل.
الخلاصة : لعبة The Pathless تقدم تجربة مازجة بين العالم المفتوح القادر على سحب عين اللاعب، والقصة المتمكنة من شحذ الذهن بشدة. لكن سقط العالم في ضياع جزء من التجربة البصرية نظرًا لتسطيح معظم الرسوميات، وفشلت القصة في استمالة العقل لفترة طويلة نظرًا لنمطية خدعها، وقصر مدتها الزمنية. إلا أنه بالرغم من ذلك كله فاللعبة تستحق اللعب، وتُعتبر لعبة جيدة تُنهيها في 4 ساعات فقط بين الألعاب الأخرى الدسمة في عالم صناعة الألعاب الذي لا ينفكّ أن يبهرنا بالمزيد كل يوم. وبغض النظر عن السقطات البسيطة؛ استطاعت اللعبة إثبات قاعدة واحدة للجميع: “الجرافيك ليس كل شيء”.
التقييم النهائي : 7.5/10
[تم توفير هذه اللعبة بأنفسنا بعد صدورها في الأسواق]