مراجعة Immortals Fenyx Rising
خاص | أحمد سامي
ألعاب الفيديو دائمًا ما تحرص على إدخال اللاعب في عالمها بشكلٍ ما، فتقدم له قصة ممتازة تارة، أو جرافيك قوياً تارة أخرى، وفي المنتصف تطرح منعطفات حادة باستمرار قادرة على جذب الانتباه أكثر وأكثر. وإذا كانت هناك شركة في تاريخ صناعة الألعاب استطاعت إجمال كل تلك العناصر بنسب متفاوتة وتأثير واضح، فهي شركة يوبي سوفت بدون شك.
هذه المرة تطرح عالمها بمزيجٍ من الميثولوجيا، القتالات الحماسية، الوحوش الأسطورية، الجيم بلاي الممتع، وكذلك العالم المفتوح القادر (وبجدارة) أن يسحبك إلى أعماق أعماقه دون أن تمل بسهولة، هذه المرة تطرح علينا لعبة (السَرْمَديّون فينِكْس نحوَ القمّة – Immortals Fenyx Rising).
فكيف استطاع المطورون طرح التاريخ الدموي للميثولوجيا الإغريقية في صورة لعبة عالم مفتوح تُمكِّن من لفت الانتباه مع الساعات الأولى من اللعب؟
الميثولوجيا الإغريقية هي واحدة من المواد الخصبة جدًا لعالم ألعاب الفيديو، وبالفعل تم استغلالها كثيرًا في الماضي. بعض الشركات استطاعت المواكبة وقدمت قصصًا ممتعة واستمرت حتى وقتنا هذا، وأخرى فشلت تمامًا واندثرت أعمالها. اليوم نحن مع قصة جديدة في عالم الأوليمب الأثير.
إنه العالم الذي يبدأ مع حزن بروميثيوس الشديد على كون البشر في الأسفل يعانون من الظلام والحسرة نظرًا لكون النيران فقط موجودة في قاعات الأوليمب بالسماء، فقرر سرقة شعلة النيران إلى أهل الأرض، وبناء عليه عاقبه زيوس بربطه مسلسلًا في قمة جبل جليدي ليأتي كل يوم طائر جارح ويأكل كبده، ثم ينمو مجددًا ليؤكل في اليوم التالي، وهكذا.
تبدأ القصة عندما يأتي زيوس إلى بروميثيوس المغلوب على أمره طالبًا المساعدة، حيث إن الوحش الأسطوري (تايفون) – والمجابه لزيوس في القوة – خرج من محبسه السحيق في أعماق جحيم تارتاروس المروِّع، والآن شرع في الانتقام من حكام الأوليمب كلهم، وعلى رأسهم زيوس نفسه. بات الحكام الأخرى في حالة مزرية تمامًا، والآن الدور على زيوس، إذا انتهى أمره مثلهم، سيحكم تايفون الشرير عالم البشر والأوليمب سويًّا ليبدأ عصر الظلمات.
وقتها يقوم بروميثوس الذكي بعقد صفقة تُثبت أنه داهية عصره، ويطلب من زيوس أن يقوم بإطلاق سراحه والعفو عنه فقط إذا أتى له بفتى (بشري وفاني) ليُنقذ عالم الأوليمب ويقضي على تايفون مرة وللأبد. نعيش أحداث القصة برواية الرجل المربوط في قمة الجبل، وكبير حكام الأوليمب الذي يستمع إليه بمزيج من السخرية والضحك، لكن في بعض الأحيان الانتباه والانبهار الشديدين أيضًا.
أنت هو فينيكس، الفتى البشري الذي تدمرت سفينته بإحدى العواصف وتفتت على الشاطئ، ليستيقظ ويجد أن جميع رفاقه تحولوا إلى حجارة فجأة. سرعان ما يتدارك أن هناك لعنة ضربت العالم، وسببها هو تايفون الجبّار، والآن عليه إنقاذ الجميع بمساعدة مَن تبقوا من الحكام، ومساعدتهم على العودة لهيئتهم الطبيعية مرة أخرى وحكم الأوليمب من جديد.
فهل… سينجح؟
في عالم لعبة Immortals Fenyx Rising يقوم اللاعب بالانتقال من مكان إلى مكان بهدف الوصول لأعلى نقطة بالخريطة، ثم عمل مسح شامل لكل الأماكن المحتمل وجود مغامرات فيها. وهنا يأتي الجزء الشيِّق، فعلى عكس ألعاب مثل Assassin’s Creed التي تكشف فيها المسح كل شيء من تلقاء نفسه، هنا على اللاعب التحرك في كل أرجاء المساحة المفتوحة التي أمامه لكتشف كل الأماكن بنفسه.
تلك الأماكن تكون متنوعة بين الصناديق الذهبية ذات الجوائز، القيثارات العازفة لمقطوعات معينة، والتحديات الفجائية التي تصدح موسيقاها في الخلفية بمجرد اقترابك منها، والكثير والكثير بالمنتصف. والجدير بالذكر أن الفريق القائم على تطوير هذه اللعبة هو نفس الذي قام بتطوير Assassin’s Creed Odyssey.
وهذا ما يميز أسلوب اللعب: تنوع مفردات العالم المفتوح. في الواقع، عند إتمام أربع ساعات في اللعبة، القصة ستصبح شيئًا من الماضي، سيبتلعك العالم بالجرافيك الممتاز والموسيقى الرائعة والوحوش المتربصة بك في كل حدبٍ وصَوب.
العالم ساحر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والتقدم في القصة (أو حتى الانتهاء منها) لا يعني غلق اللعبة ومسحها أبدًا. لكن للأسف هنا يأتي النقيض مباشرة، فالعالم من أعلى مفتوح، ومن أسفل مغلق وتكراري، أجل هنا القصد على سراديب جحيم تارتاروس، وكل سرداب في نهايته مكافأة تزيد من قدرات البطل، وفيه ألغاز تجعل من الصعب تحديها.
وبالرغم من وجود عشرات العشرات من السراديب على طول الخريطة، إلا أنها منطوية على نفس الشكل، مع اختلاف طفيف في آليات التعقيد والألغاز المطروحة بهدف الوصول لنهاية كل سرداب. التكرار البصري في الأسفل يتناقض بشدة مع التنوع البصري في الأعلى، مما يجعل تجربة السراديب هي الأقل متعة، بينما العالم المفتوح فوق سطح الأرض فعلًا هو المتعة وما فيها.
أيضًا هناك عنصر معين في اللعبة قد يجعل الناس محتارين: هل هو نقطة ضعف أم نقطة قوة؟ هذا العنصر هو وجود وحش كبير وثابت (الـ Boss) ينتظر اللاعب مع كل مكان جديد يُكشف في الخريطة.
هذا ينقلنا مباشرة للمكان الذي يتعامل فيه البطل مع مسار القصة الذي سيصل به للوحش الكبير في النهاية، والذي بعده سيحرر حاكم الأوليمب القابع هناك من محبسه، ويعيده إلى هيئته الأصلية ويحصل على مباركته وجزءٍ من قِواه. قد يبدو النمط تكراريًا بشكلٍ ممل، لكن الوحوش نفسها مميزة ومختلفة جدًا من حيث التصميم وآليات القتال، وقادرة على رفع مهارات اللاعب نفسه مع الوقت.
أراد فريق التطوير جعل تجربة القصة حماسية وملهمة ورائعة بصريًّا، لكن في المقابل أهملوا الامتداد الذهني لمسار القصة نفسه. فإذا أنهى اللاعب القصة بتلك السراديب الممتازة والمتحدية للقدرات العقلية والذهنية فعلًا، ثم ذهب لسراديب المهام الجانبية سيشعر بخيبة الأمل، وأن التجربة التي قدمتها له الأحداث سابقًا غير مشابهة لباقي العالم، لتُقتل بذلك متعة السراديب تمامًا.
نظام المكافأة مثير للاهتمام بعض الشيء. فمثلًا اللاعب يرتقي عن طريق جمع (صواعق زيوس) الموجودة في نهاية سراديب تارتاروس، وكذلك فتح صناديق الغنائم المتناثرة في الخريطة هنا وهناك، وجمع نقاط الخبرة والمعادن الثمينة وما إلى ذلك. نمط المكافأة تكراريّ تمامًا، لكن تأثيره هو المميز فعلًا، فمع الارتقاء في المستوى، تُفتح المزيد من القدرات والخصائص لشخصية اللاعب، مما يجعل تجربة التجول في العالم بعد انتهاء القصة ممتعة إلى أقصى حد.
ومتعة العالم تظهر فعلًا مع أسلوب القتال، حيث إنه إما قريب أو بعيد حسب تفضيل اللاعب، مع الوقت يكتسب المزيد من الأسلحة التي بالتزامن تتوافق مع الكثير من الخصائص الجسدية المكتسبة حديثًا، فتصير تجربة القتال مخصصة أكثر وأكثر.
بدلًا من تقديم جرافيك قوي وحاد للغاية، عَمد الفريق إلى تبسيط كل شيء وتسطيحه إلى درجة تجعل كل شيء ملونًا ومبهرًا للعين، لإعطاء شعور بالبهجة بالرغم من كَون العالم محتويًا على عشرات العشرات من الوحوش الضارية بالفعل.
أسلوب الرسم بالتبعية انعكس على القصة كلها، فباتت معظم الأحداث مركزة على الألاعيب الذهنية أكثر من كونها مركزة على القتالات الحماسية. وهذا في النهاية يصبغ اللعبة بطِباع العالم المفتوح المنطوي على مغامرات التجوال أكثر وأكثر، مما يترتب عليه قضاء وقت أطول فيه بعد انتهاء القصة.
إلا أن الأمر لم يخلُ من بعض سقطات الجرافيك هنا وهناك، خصوصًا على أجهزة الحاسوب الشخصي التي عانت من هبوط حاد في الإطارات عند الانتقال من المياه إلى اليابسة مثلًا. كما أن هناك بعض الأخطاء البرمجية (التي ربما مرتبطة بالجرافيك) جعلت اللعبة تتجمد فجأة وتخرج مباشرة دون حفظ آخر مسار قصصي وصل إليه اللاعب، وهذا بالرغم من الوصول لنقطة حفظ بالفعل قبلها.
“وكأنها معزوفة حالمة لطفلٍ لا يريد أن ينام بسهولة”.
أجل، هذا أنسب وصف للمقطوعات الموسيقية في اللعبة فعلًا. الموسيقى إما مقدمة في هيئة سيمفونيات حالمية آتية من كل مكان حول اللاعب، أو آتية من أماكن معينة في الخريطة. كما أنها متنوعة جدًا ولكل منطقة معزوفة خاصة بها تبدأ في الصدوح بمجرد الاقتراب منها.
والاهتمام بالمقطوعات ذات النوتات الطويلة لا يعني عدم الاهتمام بالأصوات البيئية مثلًا، فبالعكس كان الاهتمام بها ملحوظًا جدًا، خصوصًا عند المشي والقفز والطيران ولمس الماء والغطس والنظر إلى العصافير أو حتى محاربة الوحوش الضارية.
أما من حيث الأداء الصوتي فهو ممتاز للغاية بالنسبة للبطل وأغلب حكماء الأوليمب، إلا أن بعضهم صوته طفولي بعض الشيء وغير متناسب مع هيئته الجسدية، لكن لا بأس.
الترجمة من الناحية الأخرى جيدة جدًا، وليست فيها سقطات مثل التي صدرت مع جزء عقيدة السفاحين السابق، أو التي عانى منها اللاعبون على مدار أكثر من لعبة من تطوير يوبي سوفت.
الخلاصة :لعبة Immortals Fenyx Rising تجربة ممتازة، عالم مفتوح قادر على اعتصارك، وقصة ذات منعطفات غير حادة، لكن ممتعة. الجرافيك بسيط ومريح للعين، أجل كان من الأفضل جعل بعض المشاهد صلبة قليلًا، إلا أن لغة التصميم عامة وكان ذلك ليحدث نفورًا ملحوظًا. وإذا كان هناك نفور حتى، فالمقطوعات الموسيقية الهادئة قادرة على إذابة أي هموم، وإجبار اللاعب على ترك أداة التحكم والاستمتاع بجمال الموسيقى الممتزجة مع المساحات المفتوحة من حوله. أسلوب قتال بسيط، مكافآت محدودة لكن ذات تأثير مختلف، سراديب نمطية ومملة بعض الشيء، وعناصر أكثر بكثير تصنع لعبة قد تكون مشابهة لأعمال أخرى، لكن بلا شك تستحق اللعب فقط من أجل متعة الجيم بلاي!
التقييم النهائي : 7/10
[تم توفير هذه اللعبة من الناشر قبل صدورها في الأسواق]