مراجعة HITMAN 3
خاص | أحمد سامي
في صناعة الألعاب، هناك بعض العناوين بعينها هي التي جعلت لتصنيفاتها قيمة، وعلى رأس التصنيفات ألعاب التسلل والأكشن، وعلى رأس الأمثلة لدينا سلسلة ألعاب HITMAN الأشهر من نار على علم، والمقدمة من استوديو IO Interactive المعروف.
استطاعت السلسلة أن تكون هي ذات المكانة الأكبر بقلوب اللاعبين على مستوى العالم، وهذا رغم صدور ألعاب أخرى كثيرة شبيهة لها بل وأقوى منها على الصعيد الجرافيكي. كل هذا لم يزعزع عرش العميل 47، ولم يجعل حب اللاعبين لشخصيته وكاريزمته يفتر على الإطلاق.
لسنين بعد سنين، استمرت السلسلة في تقديم المزيد، ورفع الستار عن الكثير والكثير من الخبايا التي تجعل قصتها معقدة بشكلٍ غير متوقع مع كل جزء جديد يصدر بالأسواق. والآن ها نحن ذا مع الجزء الأخير في السلسلة، الجزء الذي يختم قصة درامية عشناها لسنين طويلة، إنه جزء Hitman 3 الختامي لواحدة من أفضل سلاسل الاغتيال في تاريخ صناعة الألعاب حصرًا!
إذًا السؤال.. كيف تم تقديمه؟ وهل ارتقى لمستوى التوقعات؟
تحذير: هذا الجزء يحتوي على حرق صريح ومباشر لأحداث الجزئين الأول والثاني في ثلاثية ألعاب HITMAN، لا يُنصح بالإكمال إلا بعد لعب – أو على الأقل معرفة أحداث – الألعاب السابقة.
في الجزء الثاني تعرّف أخيرًا العميل 47 على عينة التجربة رقم 6، صديقه الذي قيل له إنه مات في الماضي أثناء محاولة الهرب من التجارب التجنيدية القاسية، واسمه الحالي هو (جراي). الآن اتحد جراي مع بطلنا من أجل الوصول إلى ثلاثة أشخاص أقوياء يقعون مباشرة أسفل يد زعيم منظمة سرية عملاقة، وبقتل هؤلاء، سيكون من السهل الوصول لرأس الأفعى.
والجدير بالذكر أنه فعلًا تم الوصول لرأس الأفعى، لكنه هرب من أبطالنا مباشرة بعد القبض عليه، ليكون على 47 أن يستند على معلومات (ديانا بيرن-وود) من أجل الوصول إليه مرة أخرى. كل هذا وجراي نفسه لا يثق في ديانا، ويعتقد أنها ستبيعه في أي لحظة، فإن ولاء وكالة الاغتيالات الدولة – ICA لا يُكَن لأحد على الإطلاق، خصوصًا إذا كان محل الولاء هو مجرد أداة قتل ذات دمٍ بارد مثل 47.
فهل ستفعل ديانا العكس وتجعل جراي في موقف المتكهن الأخرق؟ أم فعلًا ستنقلب عليه وتدعم رأس الأفعى لتنضم إليه في النهاية وتحكم قبضتها على العالم من خلف الستار؟ هذه الأسئلة (وأكثر بكثير) يجيب عنها الجزء الثالث والختامي في سلسلة ألعاب HITMAN.
تجب أيضًا الإشارة إلى أن القصة هنا تبدو من الخارج سطحية للغاية وبسيطة، إلا أن بداخلها الكثير من التفاصيل التي تستحق فعلًا الانتباه إليها، بل وإعادة مشاهدتها أكثر من مرة لفهم القصة جيدًا. كذلك اللعبة صدرت بشكلٍ متكامل، فبداخلها الأجزاء الثلاثة، مع المقدمة الشهيرة للسلسلة، وهذا يبرر القِصر الشديد في قصة الجزء الثالث بالطبع على وجه التحديد، فهي تجربة متكاملة، ومساحتها على مختلف المنصات معقولة فعلًا.
كالعادة، سلسلة HITMAN لا تقدم إلا تجربة لعب احترافية للغاية في مجال التسلل وعدم لفت الأنظار أثناء إتمام المهام. لكن هذه المرة لدينا خيارات أكثر بكثير مقارنة بالجزئين السابقين، وهذا لتنوع أساليب القتل بناء على تنوع الأماكن من جهة، والأسلحة من جهة أخرى.
أسلوب اللعب في هذا الجزء عبارة عن جملة واحدة يجب أن تغرسها في عقلك غرسًا أثناء اللعب: “البيئة هي عدوك الأول، وكذلك صديقك الحميم”. العناصر البيئية كلها هي الأماكن التي تدور فيها الأحداث، والتي تستطيع أن تتفاعل معها بأسلوب العالم المفتوح، لكن بداخل الإطار الزمني الخطي للأحداث. أي أن لك مطلق الحرية في التعامل مع 70% من مكونات الغرف والصالات، في مقابل أن تلك الحرية محدودة بداخل الحيّز الجغرافي للمكان نفسه. هذا يبدو وكأنه تقييد للحريات، لكن بالعكس، هذا ما جعل الجزء الثالث فعلًا مميزًا.
يمكن استخدام أي شيء تقريبًا كسلاح في هذه اللعبة. فبإمكانك أخذ رأس تمثال روماني وضرب أحد بها على رأسه، أو تسميم قنينة مياه معكرة أو كأس شمبانيا باهظة. يمكن حتى استعمال أداة فتح المظاريف كسلاح، لكن احرص دائمًا أن هناك عيونًا تلاحظ وتدقق في كل خطوة تفعلها، وكلما ارتقيت في مستوى التقدم بالقصة، أصبحت الشخصيات غير القابلة للعب – NPC أكثر انتباهًا لتحركاتك، وأكثر قابلية للفتك بك في أقل من لحظة.
بالإمكان لعب القصة بأكثر من مستوى صعوبة (تقليدي – احترافي – سيّد). وحتى بالمستوى التقليدي، تكون اللعبة بمثابة تحدٍ يحتاج إلى مزيجٍ من المثابرة وبرودة الأعصاب. لكن المشكلة الحقيقية للعبة لا تقع في البيئة والأماكن، بل في آلية الإرشاد. فالمهمات بشكلٍ عام لا تقدم لك إلا الإرشاد الذي يأخذ بيدك إلى بداية الخيط، ثم يتركك لتغزل كل شيء بنفسك.
الأماكن محدودة، لكن مع تقدم الأحداث، تبدأ جغرافية البيوت والشوارع في التعقد أكثر وأكثر، حتى يصير المكان كالمتاهة فجأة. فإذا كنت تطمح بإنهاء مهمة معينة في أقل من نصف ساعة، فهذا لن يحدث، ستركض أكثر من مرة في نفس البقعة حتى تتدارك أن هناك شيئًا ما سيحدث مع اختلاف الزمن، فبالتالي تتقدم في الأحداث.
لكن بعيدًا عن الملل المصاحب لعدم وجود دليل إرشادي، فالتعامل مع اللعبة بمنظور الخيارات المتعددة هو فعلًا أمر مسلٍ للغاية. أجل، بناء على نوع السلاح وطريقة القتل وحتى طريقة التسلل والاندماج مع الناس، سوف تحصل على نقاط خبرة مختلفة.
حيث أنه ببساطة كل شيء تفعله في اللعبة، هو مسار ضمن مسارات أخرى عديدة، لكن كلها توصلك إلى نفس النهاية: مقتل الأهداف. إذا امتد عالم الخيارات المتعددة إلى الأهداف أنفسهم (أي إذا كان بالإمكان قتل 2 من أصل 3 شخصيات مثلًا)، وقتها لأصبح أسلوب اللعب أكثر قربًا للمزيد من اللاعبين، لكن المطروح هنا لا بأس به فعلًا.
كما أن هناك وجودًا عربيًّا ملحوظًا باللعبة، حيث يدور فصل كامل من الأحداث حصرًا في دبي، بالإمارات العربية المتحدة. وهناك ظهور واضح للعرب بملابسهم الخليجية المعروفة في مختلف المشاهد، وعلى مدار أحداث الفصل.
والنقطة الأخيرة السيئة في اللعبة ككل، والمرتبطة تمامًا بالقصة، وذكرناها منذ قليل: “القصة قصيرة”. زمن اللعبة ضئيل للغاية، فيمكن إنهاء كل أحداث القصة في 5 ساعات مثلًا، وهذا شيء مُحزن، الجمهور يريد لعبة طويلة ودسمة، لكن ما حصلنا عليه هو وجبة مليئة بأنواع الطعام، لكن عيّنات موضوعة من كل نوع فقط!
إذا كنت على نسخة الحاسوب، لا تقم بتشغيل الـ HDR إلا إذا كانت شاشتك “فعلًا” تدعم الـ HDR، هذه نصيحة واجبة.
لذلك إذا عشت تجربة اللعب بدونها، ستنعم بتجربة مثيرة للاهتمام فعلًا. الجرافيك بالكامل ممتاز، بداية من تصاميم الشخصيات، مرورًا بهندسة البيوت والغرف، وصولًا إلى التركيبة البصرية لمفردات البيئة المفتوحة مثل النباتات والشمس والجبال وغيرها من التفاصيل الساحرة للعين.
التوازن اللوني كان عبقريًّا، خصوصًا في المشاهد التي تكون فيها الشمس هي البطل الأول الأخير، التعامل مع طبقات الألوان الناتجة عن انعكاس ضوء الشمس على كل شيء فعلًا ليس بالمهمة السهلة، لكن استطاع الاستوديو التعامل معها بسهولة.
مشكلة الجرافيك الوحيدة تكمن في الكاميرا، فلا توجد حرية فعلًا في زوايا الرؤية، إما تكون قريبة جدًا من رأس البطل، أو واسعة بشكلٍ لا يمكن التحكم فيه يدويًّا. هناك بعض المشاهد بعينها التي يستلم فيها مخرج اللعبة الدفة بدلًا عنك، ويقوم هو بتحريك الكاميرا في الزوايا التي يجدها مناسبة، هذا الأمر جيد إذا كانت اللعبة كلها بهذا الشكل، لكن التحكم الفجائي في الزاوية المريحة لعين اللاعب فقط لمحاولة جعل المشهد (القصير للغاية في الواقع) سينمائيًّا بشكلٍ ما، هو أمر مزعج وغير مبرر.
الموسيقى بالكامل لا غبار عليها، كل مقطوعة موسيقية أتت في محلها المضبوط، وعززت من الحالة الشعورية للمشاهد التي صدحت فيها.
بالطبع بجانب وجود تنوّع ملحوظ جدًا للمقطوعات نفسها، ولم يتم تكرار أكثر من مقطوعة تقريبًا على مدار الخط الزمني للأحداث. والجدير بالذكر أن هناك (وربما هذا شيء يختلف من لاعب لآخر) تغير في النوتات الموسيقية لبعض المقطوعات إذا قررت أخذ مسلك مختلف في طريقة القتل مثلًا.
بالتأكيد سلاحك الأصلي هو السلك الذي تخنق به الأهداف، لكن هناك طرق مختلفة مثل الرمي من أعلى البناية، الطعن بسكين، القتل بمسدس أو رشاش، أو حتى تسميم الطعام. يمكن فعلًا استشعار تغير الموسيقى مع كل طريقة قتل، وهذه لفتة مميزة.
الخلاصة: لعبة HITMAN 3 هي واحدة من الألعاب التي تستحق فعلًا أن تشتريها فقط لتشهد النهاية الملحمية لأحداثٍ لا يجب أن تتركها معلقة للأبد. القصة جاذبة للجمهور بمختلف شرائحه العمرية، وهذه نقطة لعب عليها الاستوديو ببراعة، وكسب رضا اللاعبين بفضلها. الأحداث مبهرة، الصوتيات دقيقة وموزونة، الجرافيك لا غبار عليه، لكن أسلوب اللعب احتاج إلى بعض الإرشاد من قِبل المطورين، وزوايا الكاميرا كانت بحاجة إلى تحسين في مشاهد قليلة. لكن ككل، اللعبة تستحق اللعب فعلًا، استمتعوا!.
التقييم النهائي : 7/10
[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر عند صدورها في الأسواق]