مدني ديمقراطي
د. الهادي بوحمرة *
تعقيب على قول صديق (مدني ديمقراطي) هذا القول، وما يعقبه من توصيف وتصنيف، ما هو إلا مظهر من مظاهر خلل في العمق، متراكم من قرون، لا قدرة لنا على قبول الآخر، لا تفكر إلا كما نفكر، لا تزن الأمور بغير ما نزن، الأمر في أذهاننا مسلمات ومعادلات، لا مقاربات وموازنات، نملك الحقيقة المطلقة في أمور بطبيعتها نسبية، ونصف المخالف بالجاهل، وصف يقذف به من نصفهم بالعلماء كل مخالف، تناقلوه جيلا بعد جيل، وهؤلاء العلماء لدينا هم المرشد، وقولهم هو القول الفصل، حتى (لا إكراه في الدين) تآكلت مع تشعب الاستثناءات، التي نسجت بذكاء عن طريق مقدمات وضعت بعد نتيجة، لتبريرها، لا للوصول إليها، نفرض عليك كيف تفكر، ما يجوز، وما لا يجوز، ما تقول، وما تفعل، ما تحب، وما تكره، في وقائع ظاهرها وباطنها ظني للنخاع، ونطلب منك؛ مع ذلك؛ أن تعيش بحرية، فإما أن تقبل، أو تصمت، أو ترحل، أو تتحمل أوصافا من قبيل أوصاف الجاهل، وتعيش على الهامش.
لا مخرج لنا، ولا عيش مشتركا بيننا بغير مسطرة نقرها بإرادتنا، نعدلها بإرادتنا، يقف عندها الكافة، تحكم كل الخلاف والاختلاف، ولكل منا في ظلها أن يقول ما يشاء، وأن يحتفل بمن يشاء، وبما يشاء، عندها لن يكون الخلاف ذا أهمية، ولن يكون التنوع مفسدا، ولا اتجاهات الرأي صارة، فهي محكومة بكليات، أما قبل ذلك، فلكل ميزانه، ولكل عقله ولسانه، ومن يسعى لقمع غيره دون وجود مرجع نحتكم إليه، فما هو إلا مستبد أو مشروع مستبد، لو ملك أدوات القمع، لربما تشرب طبائع سابقيه وزاد عليها، فلا يمكن أن ينفصل الفعل عن الفكر، ولما تردد أن يستعين بكل من يقبل أن يحرض بمقابل، ويقتل بمقابل، ويلوث أعراض الناس بمقابل، لا يردعه دين ولا أخلاق، وإن لبس عباءة المشيخة، أو اصطنع لنفسه ثوبا من (المدنية).
- عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور