مدرسة الشيباني بن نصرات
حمزة جبودة
أعترف أنني في هذه المرة، قد شعرت برهبة كبيرة، وأنا أعيد كتابة وصياغة بعض الأفكار بشكل يليق بمدرسة الشيباني بن نصرات في مدينة الزاوية، ومراحلها السابقة التي أسهمت في تكوين أجيال قبل عقود من الزمن، بعضها ما زال يتذكرها بفخر والآخر يتذكرها بحسرة وغيرهم يتذكرها بندمٍ عن ضياع يومٍ خارج أدوارها.
بمجرد أن تسمع أغنية الفنانة أصالة “شمعة وحيدة”، يعني أن الطابور الصباحي يبدأ بعد دقائق، لذا عليك أن تتجهّز وتخرج من المنزل في أسرع وقت. هُنا تحديدا عليك أن تتهيأ لعقاب مفاجئ، أو استدعاء لولي الأمر. في مدرسة الشيباني بن نصرات، لن يرحمك أحد، لأنك دخلتها طواعية، دخلتها بعقلية المدرسة الابتدائية، التي تعدّ أول مراحل التكوين والمراهقة. ولم تقرأ جيدا قوانين الإدارة والأستاذ مصطفى جموم، الذي يقود المدرسة بقوانين صارمة لا نقاش فيها، من أخطأ يعاقب، أيّ كان، لا يهمّ لأن الشيباني بن نصرات، أقرّت دستورها ولوائحها الداخلية التي تنظم من خلالها العملية التعليمية.
التوازن الذي أسسه المدير والأستاذ مصطفى جموم، في نظام الحكم المتعارف عليه في الشيباني بن نصرات، رسّخ مفهوم العدالة والانضباط السلوكي والأخلاقي لدى الطلاب. لن تشفع لك قبيلتك، منصب والدك، أي كان من العقوبة إن أخطأت، فليس لك حينها إلا خيارا واحدا، أن تقبل العقوبة، أو في حالات أخرى، يتم طردك من المدرسة وسحب الجنسية التي كنت تتمتع بها. نعم الجنسية في الشيباني بن نصرات، تعني أنك دخلت عالم المعلمين الكبار، عالم كُنت تسمع عنه وتتمنى العيش فيه. بالمناسبة بالإمكان تسمية المدرسة ووصفها دولة قائمة بذاتها، في زحمة المدارس الأخرى “الدول”، وتقف باقتدار مع شقيقتها الكبرى، الزاوية الثانوية. التي تعتبر من أقوى الحُلفاء للشيباني بن نصرات، لكونها تعتمد النظام ذاته في الإدارة والانضباط الذي لا يجرأ أحدٌ على معارضته.
رجال الدولة يتميزون بلباقة الحديث وحُسن التصرّف في الأزمات والبحث عن حلول تضمن الاستقرار للشعب “الطلاب”. هؤلاء الرجال هُم المُعلمون لطلبة الشيباني بن نصرات، تجدهم في الساحة العامة وفي الفصول والمكاتب الحيوية للدولة، يدرسون الخطط ويبحثون إمكانية تطوير البنية الحقيقية للمدرسة. في موسم البرتقال، الذي تتميّز به الدولة، تعلن المدرسة بإدارة مصطفى جموم، أن توزيع الثروة سيبدأ قريبا على كل طلبة المدرسة، لكل طالبٍ حصة من البرتقال، وبالفعل تُنفّذ أوامر الإدارة بشكل لائق على الجميع. إن سرق أحدهم برتقالة واحدة أو أكثر، يعني أنه حكم على نفسه بعقوبة ترتقي إلى “الفَلْقة”، واستدعاء ولي الأمر، الذي يقابله في نظام الدول، استدعاء السفير أو القنصل.
الصدفة ليس لها وجود في مدرسة الشيباني بن نصرات، كُلّ شيء مدروس، لا يجرأ راديو الدولة “الإذاعة المدرسية” على بثّ الكراهية أو التحريض، لكَ المكتبة العلمية إن كُنت تحبّ الاطلاع والمعرفة العامة بعيدا عن المعرفة المنهجية، وأيضا كرة القدم أو الطائرة والسلّة، إن كنت ترى نفسك رياضيًا.
تاريخها المعاصر حافل بالأزمات، ورهانات صعبة واجهتها مدرسة الشيباني بن نصرات، واجهت الانقسام الداخلي على أرضها، بعد أن تم الاعتراف بدولٍ أخرى وتم توطينها في مراحل سابقة، دولة الجامعة والمعاهد، تداخلت حينها جغرافيا رأس المال، وهدّدت مستقبل الدولة العريقة، لم تنزعج إدارة المدرسة، لم تحتجّ على تهديد وجودها، بل تعاملت بحكمة، لأنها أيقنت قوّتها الضاربة في الأرض، وتحمّل المعلمين الكبار فيها مع إدارتهم الأوقات الصعبة. لم يتوقفوا، واصلوا مسيرتهم مع طلابهم. وبعدها بفترة، أيقنوا أن دولة الشيباني بن نصرات أكثر صلابة وقوّة. لا أحد يُفكّر في إعلان الحرب عليها. لقد انتصرت في كل معاركها. لن تُهزم.