مخططات فلادمير بوتين في ليبيا
ترجمة خاصة
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا عن دخول موسكو على خط الأزمة الليبية ، أبعاده، وتأثيراته بقلم لنكولن بيغمان، وكايل أورتون جاء فيه:
ليبيا، التي تفاقمت فيها الأزمات بسبب عدم الاستقرار والعنف منذ عام 2011، تعاود الظهور بوصفها نقطة جيوسياسية ساخنة. وفى الوقت الذى تتنافس فيه القوى المتنافسة.
من اجل السيطرة على الدولة التي مزقتها الحرب – وهما الحكومتان الرئيسيتان حكومة الوفاق الوطنى التى تدعمها الامم المتحدة، مقابل الجيش الوطنى الليبى – بدأت القوى الاجنبية تتخذ جانبا أو آخر وتدويل الصراع.
وبالنسبة للمراقبين الغربيين، فإن المشاركة المتزايدة لروسيا، وهي حليف رئيسي لقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، تمثل مصدر قلق خاص.
في أعقاب التدخل العسكري الروسي في سوريا، قد يبدو دور موسكو في الحرب الأهلية الليبية، للوهلة الأولى، كأنه أمر معهود. ومرة أخرى، يبدو أن الكرملين يعمل على توطيد قوة رجل قوي إقليمي مؤيد لروسيا وإقامة “هلال النفوذ الروسي” في الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى أوجه التشابه بين حفتر والرئيس السوري بشار الأسد، فإن درجة معينة من القلق مفهومة. وعلى غرار الأسد الذي طالما حذر الحكومات الأجنبية بالإشارة إلى المتمردين السوريين على أنهم إرهابيون، فإن حفتر غالبا ما يضع نفسه كحصن منيع ضد التطرف العنيف في ليبيا، حيث لا يزال تنظيم داعش نشطا بقوة، كما شكل الإسلاميون ميليشيات قوية ودخلوا مضمار السياسة العامة.
ومع ذلك، فإستراتيجية روسيا الفعلية لا تنطوي على التدخل بقوة في ليبيا لذلك تقبلُ “رجل موسكو” كزعيم لها. وتعدّ نوايا روسيا في ليبيا أكثر تعاونا مع المجتمع الدولي، وإن كان ذلك يتوافق أيضا مع مصالحها الوطنية.
وللتأكيد على هذا الموقف فقد استثمرت روسيا في حفتر حيث استقبلته فى موسكو مثل زعيم دولة أجنبى يرتب اجتماعات مع كبار الوزراء ومسئولين أمنيين بمن فيهم وزير الخارجية سيرغى لافروف ووزير الدفاع ووزير مجلس الامن. وُصفت صورة حفتر بأنها “شخصية سياسية وعسكرية رائدة”، كما وصفها غينادي جاتيلوف، نائب وزير الخارجية مؤخرا، كما ظهر حفتر على متن حاملة الطائرات الروسية أدميرال كوزنيتسوف التي زارت ليبيا خلال جولتها في البحر المتوسط.
لاشك أن المساعدات المادية أكثر أهمية من التقاط الصور وتبادل والكلمات الرقيقة. وقامت موسكو بطباعة 3 مليارات دولار بالدينار الليبي بالنيابة عن مصرف ليبيا المركزي التابع للبرلمان وأرسلت الفنيين الروس للمساعدة في تجديد وتطوير القدرات العسكرية للجيش، الذي يعتمد كليا على الأسلحة السوفياتية.
ووفقا لحظر الاسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، لا يمكن اعتبار روسيا تقوم بتسليح لقوات حفتر بشكل مباشر. إلا أنه يمكنها أن ترسل أسلحة عبر مصر، وهي جارة مؤيدة لحفتر ويقال إنها استضافت قوات خاصة روسية.
وعلاوة على ذلك، فإن البعض في ليبيا – مثل عبد الباسط البدري، سفير البرلمان في السعودية وحليف حفتر زار موسكو في مارس – ويشجع علنا نشر القوات الروسية على ليبيا كجزء من تدخل على غرار سوريا. وقال حفتر ردا على سؤال حول التعاون العسكرى مع موسكو انه “سيرحب بأي دور” لروسيا فى ليبيا.
روسيا تتوقع الحصول على ثلاثة أشياء من دعمها لحفتر. أولا، فهي تأمل موسكو أن يستفيد حفتر في نهاية المطاف من قوة سياسية كافية لإعطاء روسيا مكانة ممتازة في إجراء صفقات اقتصادية، مما يعوض الخسائر المالية – 150 مليون دولار من الأرباح من مشاريع البناء، و 3 مليارات دولار من عقود السكك الحديدية الروسية السابقة مع ليبيا، تصل إلى 3.5 مليار دولار في أرباح من صفقات الطاقة، وما لا يقل عن 4 مليارات دولار في مبيعات الأسلحة – تكبدتها بسبب سقوط الدكتاتور الليبي معمر القذافي. ومع إنتاج النفط في ليبيا ب 700 ألف برميل يوميا والهلال النفطي في البلاد الذي تسيطر عليه قوات حفتر، تعتبر الطاقة مجالا مربحا بشكل خاص للتعاون.
وفي يوليو الماضي بدأت مجموعة روسنيفت العملاق النفطي في روسيا بشراء النفط من شركة النفط الوطنية الليبية في إطار عقد مدته سنة واحدة يقصد به على حد تعبير أحد المسؤولين الروس خطوة مبدئية نحو “تجديد العقود المبرمة في عهد القذافي”.
ثانيا، تتطلع روسيا إلى حفتر للمساعدة في تعزيز موقعها العسكري على البحر الأبيض المتوسط، ما يسمح لموسكو بعرض القوة بالقرب من سواحل أوروبا وتعزيز وصولها إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في عام 2008، تطرق القذافي إلى موضوع القواعد البحرية الروسية في ليبيا. وعلى الرغم من أنه لم يتم تأجير أي منها في نهاية المطاف، فقد أعاد المسؤولون الروس إحياء الفكرة، والمناقشة مع حفتر إمكانية فتح قاعدة بالقرب من بنغازي. وقد منح التدخل الروسي في سوريا بالفعل وجودا عسكريا دائما في المنطقة، ولا سيما من خلال إيجار لمدة 49 عاما لقاعدة بحرية في طرطوس. لكن الوجود في ليبيا يجعل مبادرات روسيا تجاه الحكومات الإقليمية تبدو أكثر واقعية بكثير.
وأخيرا، تسعى روسيا إلى تحقيق مكاسب سياسية تتمثل في القدرة على تسوية الأزمات الإقليمية. ولتحقيق هذه الغاية، ستكون مقامرة هائلة إذا اعتمدت روسيا حصرا على حفتر، الذي لا تزال قدرته على توطيد سيطرته على البلاد كلها موضع شك. ومنافسيه كثيرون، الجيش الشعبي لتحرير السودان، بل أيضا مقاتلي بعض المدن، وأية حالة من عدم اليقين بشأن هيمنته العسكرية تهدد المصالح الروسية في ليبيا، ولا سيما الترتيبات طويلة الأجل مثل عقود الإيجار على أسس أو عقود. في سوريا، على النقيض من ذلك، كان الأسد في السلطة لسنوات ويستفيد من معارضة شديدة الانقسام وأعداد كبيرة من القوات البرية الإيرانية. لكن حفتر لا تملك هذه المزايا.
لذلك، تعتمد روسيا إستراتيجية للتحوط على رهاناتها. وبدلا من عودة حفتر وحدها، انضمت روسيا أيضا إلى حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة. وعلى الرغم من شراكتها مع حفتر، تواصل روسيا تأييدها رسميا لجهود صنع السلام في ليبيا.
وفي حين أن الكرملين كثيرا ما يفرط في تعامله مع المجتمع الدولي، فإن إحساس موسكو بالأمم المتحدة بشأن المسائل الرئيسية – مثل حظر الأسلحة، الذي يريد حفتر أن يرفعه – قد يشير إلى أنه يظل مفتوحا للوساطة في اتفاق سلام ليبي مع المساعدة من الشركاء الدوليين.
هناك أدلة تشير إلى أن استراتيجية موسكو النهائية هي وضع نفسها كوسيط بين الشركاء المتنافسين الليبيين بدلا التسليم بالكامل لحفتر. وفي مايو الماضي، ساعدت الضغوط الروسية على عقد لقاء رئيسي بين حفتر ورئيس الوزراء فايز السراج، وهو أول اجتماع منذ 16 شهرا. كما تلقت الحكومة الروسية السراج في موسكو، وإن لمرة واحدة فقط – ثم زار موسكو للمرة الثالثة في أغسطس – ولكن بضجة أقل. وفي هذا الاسبوع زار نائب رئيس السراج احمد معتيق روسيا واجتمع مع الرئيس الروسي الشيشاني رمضان قاديروف في غروزني والمندوب الروسي في الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف في موسكو. ومن غير المؤكد أنه اجتمع مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال ليف دينغوف، رئيس مجموعة العمل الروسية المعنية بليبيا التي تديرها وزارة الخارجية ومجلس النواب بالبرلمان في مقابلة أجريت مؤخرا “إننا لا نريد أن نرتبط بأي من جانبي النزاع”.. وأضاف أنه لا يمكن لحفتر ولا السراج أن يحكما ليبيا بحكم الواقع ووجه ضربة إلى موقف حفتر من مكافحة الإرهاب قائلا إنه لم يلعب أي دور في تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش. ووصف السراج بأنه “معارض للإسلام الراديكالي”.
ومن المتوقع ان تستفيد روسيا من وجود حكومة ائتلافية في ليبيا يكون فيها حفتر رئيسا لقواتها المسلحة، أكثر من استفادتها من حكومة تحت سيطرة حفتر بالكامل. فالقضية الأولى تعني نوعا من المصالحة السياسية بين الأطراف المتصارعة الرئيسة في البلاد، وبالتالي الاستقرار الكافي لتبرير تأمين الاستثمارات الاقتصادية والمنشآت العسكرية على المدى الطويل التي تسعى روسيا دون خوف من أنها يمكن أن تفقد فجأة كما كانت بعد سقوط القذافي.
إن المشاركة الروسية المتزايدة في ليبيا لا تحظى بقبول دولي. فالولايات المتحدة على وجه الخصوص تنظر إلى دور روسيا بريبة: حيث حذر مؤخرا رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ من أن موسكو “تحاول التأثير على القرار النهائي لمن يصبح وما هي الجهة المسؤولة عن الحكومة داخل ليبيا “.
إلا أن الرئيس دونالد ترامب استبعد مشروع بناء الأمة أو الحفاظ على وجود عسكري في ليبيا، وهو موقف يحدّ من قدرة واشنطن على التأثير أو اتخاذ قرار بشأن ما يحدث هناك. وفي غياب الولايات المتحدة، ستملأ حکومات أجنبية أخرى حتما هذا الفراغ وتسعى للتوسط في سلام خاص بها ويرعى مصالحها.