نبوءة قبل أكثر من 200 عام هل حققها كورونا؟
محمد خليفة إدريس
تضاربت الأنباء حول أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في العالم إلا أن البيانات الحكومية الصينية أشارت إلى أن أول إصابة بكورونا كانت في الـ17 من نوفمبر عام 2019 لرجل يبلغ من العمر 55 عاما ويعيش في مقاطعة هوبي، التي تنتمي إليها ووهان، ما يعني أننا الآن نعيش مع هذا الفيروس منذ أكثر من عام.
ذهول
في البداية كنتُ كغيري مذهولاً هل نحن في “حلم أم علم”! الإجراءات غريبة، دول أنزلت جيوشها للشوارع في بداية الجائحة، ورجال أمن يُجبِرون الناس على البقاء في منازلهم، وشركات تفلس، وموظفون يخسرون وظائفهم، وشبح مجاعة يلوح بالأفق لتأثر سلاسل الإمداد الغذائي بتداعيات الجائحة، ومع مضي الوقت بدأتُ ألتقط أنفاسي واستوعب كغيري ما يحدث اليوم.
عودة إلى الوراء
جعلتني مراكز الرصد ووكالات الأنباء التي تحصي الضحايا والمصابين وتُطلعنا عليهم “لحظة بلحظة” أتذكر نظرية سابقة قرأتها للاقتصادي والديمغرافي الإنجليزي، توماس روبرت مالتوس الذي عمل في تدريس التاريخ والاقتصاد السياسي والبحث في مجال علم السكان (الديمغرافيا)، سُمّيت فيما بعد بـ”النظرية المالتوسية” نسبة إليه، وقد حذّرتْ من أن وتيرة التكاثر السكاني أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك في العالم، ما يهدد بحدوث اختلال في التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، وينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وعوز ومجاعات، فضلاً عن تفشي التشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة في مختلف دول العالم.
حلول مالتوس
واقترح مالتوس في نظريته التي نشرها في كتاب صدر لأول مرة عام 1798 بصفة مجهولة دون ذكر اسم الكاتب، ويحمل عنوان “مقالة حول مبدأ السكان” أن يتدارك المجتمع نفسه ويضع لأفراده “الفقراء تحديدا” قيودا للتحكم في وتيرة تكاثر أعداد السكان بما يتوافق مع قدرة العالم على إنتاج الغذاء، وإلا فإن “قوانين الطبيعة” ستفعل فعلها في العالم لإعادة التوازن، وإرجاع الأمور إلى نصابها، عبر تفشي الأمراض والمجاعات، وكثرة الحروب والاقتتال للحصول على الموارد تحت سطوة غريزة البقاء عند الإنسان.
إجراءات تطبيق الحلول
ووضع مالتوس قيودا أخلاقية يرى أنها تساعد في الحد من الولادات، منها الاستعفاف قبل الزواج وتأخير سنه، بالإضافة إلى اقتراحه حلولاً أخرى، ويرى أن من مسؤولية كل أسرة ألا يتجاوز نصيبها من الأطفال القدر الذي ترى يقيناً أن باستطاعتها أن تعوله، مطالباً الدول بعدم تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء لأن ذلك في الواقع لا يساعدهم، بل يحول بينهم وبين إدراك أنهم السبب الأول في “المأساة” التي يعيشونها، ما يشجعهم على الاستمرار في التكاثر لتزداد المشكلة حدة بسبب المساعدات بدلاً من أن تكون السبيل إلى حلحلتها.
وأثارت النظرية المالتوسية النقاشات خلال القرنين الماضيين ولا تزال، ما بين مؤيد ومعارض، وبين من نعتها بالواقعية، وآخر اتهمها بالتشاؤمية، تبقى فكرة مالتوس حول التزايد السكاني مستأثرة باهتمام الدارسين، رغبة في تأكيدها أو تفنيدها، فهل جاء فيروس كورونا تحقيقاً لما تنبأ به مالتوس من تحرك “قوانين الطبيعة” لإعادة التوازن لكوكب الأرض، وهل ستنجح لقاحات فايزر ومودرنا في كبح جماحها أم أنها “ستودرنا” جميعاً إلى ما وراء الشمس.