مجتمع “عوز المناعة الأخلاقية”
عمر أبو القاسم الككلي
“أعلى قصيدة ينهمر كل هذا الرصاص”.
نزيه أبو عفش
مازال الهجوم الشامل على الأدباء والكتاب والثقافة والمثقفين، الذي انطلق من حملة التشهير والاستعداء على الكتاب العلامة في الحركة الثقافية الوطنية الليبية، بقوة ودون هوادة. فمن التنديد بالكتاب وتتفيهه، إلى التهجم على المساهمين فيه ومحرِّرَيه وناشرَيه وتهييج الرأي العام على أولئك وهؤلاء، بل وعلى المدافعين عنه، إلى إقفال المؤسسات الثقافية التي جرت بها حفلات توقيع للكتاب. أكثر من ذلك، أصدر “جهاز المدن التاريخية” وهو الجهاز المشرف على إدارة المدينة القديمة بطرابلس والفضاءات الثقافية بها، ومن ضمنها “دار حسن الفقيه حسن للفنون” التي جرى بها حفل توقيع لهذا الكتاب، بيانا توضح فيه إدارته موقفها من الأمر، ومن ضمن ما ورد فيه أن إدارة الجهاز عممت تعليماتها على الفضاءات الثقافية التابعة لها بالامتناع عن التعامل مع جميع الأطراف ذات العلاقة بتوزيع الكتاب وإشهاره وعدم السماح لها بإقامة أي نشاط بها. كما أوضح جهاز المدن التاريخية أن جهاز المباحث العامة/ مكتب المدينة القديمة طالب إدارة الجهاز، برسالة رسمية، بلزوم تزويده بالموافقات الممنوحة لأية مؤسسات أو منظمات أو أفراد يبدون رغبتهم في إقامة مناشط ثقافية بهذه الفضاءات.
وفي تطور أنكى حرض خطيب أحد المساجد اسمه مجدي حفالة ، يلقي درسا أسبوعيا في مسجد “عائشة أم المؤمنين “بحي الأكواخ بطرابلس، على المشاركين في الكتاب ناعتا إيّاهم بالسفهاء والمجرمين، ووصف كتاباتهم بأنها “فاجرة، تريد إفساد البلد المسلم وتلويثه “،وطالب من وصفهم بولاة الأمر من الجهات الرسمية والأمنية” منع طباعة الكتاب ونشره وعدم التهاون والضرب بيد من حديد ضد كل من يتطاول على الدين الإسلامي “، متوعدا الكُتَّاب المشاركين في الكتاب بأنهم ” سيوطؤون تحت أقدام الدعوة السلفية”.
وفى درس آخر وصف محرِّرَي الكتاب، خالد المطاوع وليلى نعيم المغربي ،بأنهما من أبواق العلمانية ،ونعت الشاعرالمشارك بالكتاب، المكيال مستجير، بأنه “مارق عن الدين وعلماني خبيث”. وجدير بالذكر أنه قد جرى اختطاف المكي بطرابلس وأطلق سراحه بعد ساعات.
هذا التحريض الجامح جعل بعض المساهمين في الكتاب يتركون بيوتهم ويختفون خوفًا على أمنهم وسلامة عائلاتهم.. وإذن، بلغ الأمر إلى إهدار الدم!.
وعلاش هذا كله؟؟!!. مثلما نقول بالدارجة الليبية!. لماذا كل هذا؟؟!!.
كل هذا بسبب ورود بضع ألفاظ بأحد الأعمال السردية بالكتاب تعد، عرفيا، منافية للآداب العامة، رغم أنها عبارات شائعة اجتماعيا وتتردد على الألسنة يوميا ويعرفها ويتداولها غالبية الأطفال منذ بلوغهم أواسط العشرية الأولى من أعمارهم.
هذه الكلمات خشي منها “حراس الأخلاق وحماة القيم” على إفساد أخلاق الأطفال (الذين سيقرؤون كتابا للكبار يبلغ عدد صفحاته أكثر من 540 صفحة) وستفسد الشباب، ذكورا وإناثا، وتجعلهم يسلكون سلوك العهر والرذيلة (والعياذ بالله) ويجعل الناس يتولون عن الدين القويم (وقانا الله وإياكم المعاصي). فهذا الكتاب بمثابة فايروس الإيدز ومجتمعنا يعاني من “عوز المناعة الأخلاقية” ويتوجب على أجهزة الدولة والمجتمع برمته التجند والتحشد وبذل الغالي والثمين في محاربة هذا الكتاب وتفويت الفرصة على القوى المتآمرة المتربصة بمجتمعنا النقي الصافي!.
نعم، إن في الأمر لمؤامرة. ومؤامرة خبيثة وفتاكة محدقة بشعبنا ومجتمعنا وبلادنا. أنا أؤكد ذلك.
لكنها ليست من جهة الكتاب.
وإنما تأتي من جهة القوى الظلامية المعادية لحرية الفكر والإبداع والفنون كافة، والتي كانت تبحث عن ذريعة ما لتشن حربها الوحشية على الثقافة والمثقفين، فوجدتها في بضع كلمات في بضع صفحات من كتاب.
إنها حرب جارفة تشنها هذه القوى على مستقبل البلاد الثقافي، ينبغي التصدي لها ومقارعتها، بالسبل السلمية كافة، من قبل أنصار الحرية.