مبادرة الاتفاق الاقتصادي
سليمان البيوضي
تقديم
تحولت موارد الدولة الليبية بعد 2011 لأداة سياسية سلطوية، وتعززت فكر الاقتصاد الريعي المركزي، وما بعد 2014 وبخلاف النهب الممنهج للموارد فهناك دعم علني للعمليات العسكرية وتوجيه البندقية ضد الليبيين.
وفي ظل ما نشهده من نقاشات ومداولات حول مسألة تقاسم موارد الثروات، تأتي هذه المبادرة لتقدم طرح جديد ومغاير، فهي تعتمد بشكل مباشر على الحقوق الاقتصادية ووصولها مباشرة للمواطن والعائلة والسلطة المحلية والدولة المركزية، دون الإخلال بقواعد الحفاظ على كيان الدولة، بل تعززه بتحويل المواطن والعائلة لكيان مستقل، وهذه المبادرة تطرح حلول واقعية لأزمة المنبع والمصدر وحقهما في نسبة من موارد الثروات كسلطة محلية، هذا الطرح يفكك أزمة الإدارة المحلية وتقاطع صلاحياتها مع الدولة المركزية، إن كل المطالب تجد ضالتها في هذا المشروع، ويبقى الاتفاق على الآلية وفقا للنسب المحددة والوضع الإقتصادي للبلاد وطبيعة مرحلة حل اختناقات الأزمة رهينا بالتوافق حول هذه الرؤية او غيرها.
إن مشروع الآلية البديلة جاء بعد دراسات معمقة للإقتصاد الوطني جمع كل البيانات، ومشروع الآلية الليبية يمكن أن يرى النور و ينفذ إذا ما تم تبنيه مجتمعيا و وجدت القوة الحقيقية التي تحميه، إذ أن وحدة الدولة لا تتمثل في السلطة المركزية، بل في التوزيع العادل للموارد بين مواطنيها وحق الحياة الكريمة للعائلة، وكذا وحدة قواتها الأمنية والعسكرية الحامية للقانون والدستور وحدودها الترابية، وما أقدمه ليس إلا نذرا يسير من آلاف الوثائق والأوراق المتعلقة به، أما تنفيذه في ظل وجود الإرادة والقوة لن يحتاج إلا لأشهر معدودة.
إذ أنه من المهم تماما لليبيا أن تمضي في مشروع خلق التوافق الاقتصادي، و إيصال الحقوق لمستحقيها، للتخفيف من حدة المطلبية، وبالتالي سيكون بإمكان المجتمعات المحلية التعامل مع مشاريع التنمية وفقا لما يتواءم مع متطلبات واقعها المحلي، واستجابتها للتحولات على الصعيد المحلي والوطني. سيكون لتطبيق هذا النموذج الأثر الإيجابي في مسألة التنافسية الاقتصادية والاجتماعية وتطبيق نماذج التوأمة والشراكة مع المجتمع الدولي، وسينهي فكرة التدخلات السلبية في الشأن الليبي وسيخفف من الضغط على السلطة المركزية.
هذا المشروع لا يلغي فكرة الدولة القوية بل يعززها كون أن سلطة القانون و هيبة الدولة في شقها الأمني هو مسألة سيادية غير قابلة للتفتيت، وحماية الحدود والثروات في المنابع والمصادر موكلة للمؤسسات الأمنية والعسكرية والشرطية، وهي الملزمة أيضا بسيادة القانون وهيبة الدولة وصوتهما.
إن “رؤية وآلية” إطار الحقوق الاقتصادية الليبية “هي دراسة علمية متكاملة ” وتتضمن آليات العمل والتنفيذ والمدد الزمنية كتبها وهي من ملك لفريق من الخبراء الليبيين منهم مثالا “لا حصرا” الدكتور أحمد الجهاني والدكتور جلال الحاسية، وهذا المشروع ملك إنساني لكل مواطنة ومواطن ليبي باختلاف مشاربهم.
وتقديمها سياسيا لأبناء الأمة الليبية، هو اجتهاد لعله يؤسس لتفكيك الأزمة الليبية، بتوظيف هذه الرؤية في إطار العملية السياسية القائمة في ليبيا، مع إمكانية توظيفها في التحولات الكبرى الحاصلة في إقليمنا حول إعادة توزيع مراكز الطاقة الدولية، يبقى من المهم الإشارة إلى أن الاختلاف أو التحفظ على كل او جزء ما يقدمه هذا الطرح، يمثل خطوة إيجابية في التقدم باتجاه وتطوير مبدأ الاتفاق الاقتصادي الليبي كأساس لحركة المستقبل و قيام الدولة الوطنية الفاعلة والقادرة في الإقليم.