“ما تنجمش تعمل قهوة اليوم”
ليبيا إدريس
لكل شعب علاقته مع القهوة ، و تتميز هذه العلاقة في خصائصها عن غيرها، فتختلف طريقة الإضافات والنكهات والتخزين والصنع والتقديم ؛ من ثقافة إلى أخرى، هذا غير ارتباطها بمناسبات وطقوس تختلف من شخص إلى آخر ومن بيت إلى بيت ومن عائلة إلى أخرى، فما بالك بالشعوب والبلدان والثقافات والعادات المصاحبة لها.
فمثلاً في المملكة المتحدة؛ ترتبط القهوة بصباحات قطار الأنفاق فتجد كل من حولك يركض إلى وجهته حاملاً كوبًا ورقيًا ملونًا بالعلامة التجارية التي اختارها الشخص لقهوته هذا الصباح.
وفي دول الخليج؛ يجب أن يقف الشخص ليصب القهوة لضيوفه ، ويجب أن تصب القهوة باليد اليسري وتقدم باليد اليمنى، بينما في بلاد الشام؛ فإن الجلسة الاجتماعية لها دوران من القهوة المغلية “أهلا وسهلا” في أول الجلسة و”الله معاك” في آخرها.
وبالطبع عند الأتراك؛ فإنها كثيرًا ما تصاحبها طقوس قراءة الفنجان لاستبصار المستقبل، وهذا جعل للقهوة هيبة فريدة من نوعها.
وفي ليبيا؛ تتميز القهوة بوجهها الثقيل، ولكل بيت نوع توابل معينة يفضلها مع قهوته كالهيل والكسبر والمستكة وأحيانا ماء الزهر.
عمومًا، هذه المقالة ليست عن القهوة ولا عن علاقة الشعوب مع قهوتهم، لكنها عن تجربة تجريم تناول القهوة في الخارج، في تونس، خلال فترة حظر التجول والحجر الصحي!
إذا كنت تونسيًا، أو مررت بتونس سياحةً لقضاء حاجة سابقًا فلابد ـن هذه الجملة ليست غريبة عليك “نعملوا قهوة؟” يستخدم المواطن التونسي هذه الجملة مرات كثيرة خلال نهاره، فهي بداية كل حوار أو مشروع وهي غالبًا نهاية كل نهار طويل تحتاج في ختامه إلى كوب قهوة. حقيقةً للتونسي/ة علاقة وثيقة بقهوتهم التي تصبرهم على ساعات العمل الطويلة نهارا وتضيف البهجة للقاءتهم عشيةً، فتجد طاولات المقاهي على أرصفة الشوارع ممتلئة بالرواد، و على ضفتي شارع الحبيب بورقيبة في وسط العاصمة وصولا إلى المرسى في أقصى شمالها ترافق الحكايات جلسات مقاهي الأرصفة وتستمتع الرشفات بشمس تونس الممزوجة بحنان رطوبة البحر.
و مع الحجر الصحي لمواجهة انتشار وباء كورونا والذي فرض مرات عدة وبفترات متفاوتة خلال العام الماضي وهذا العام، في كل مرة كانت تغلق فيها البلاد (بإمكاننا القول) إن حظر القهوة في الخارج كان يؤرق المواطنين أكثر من حظر اي من تفاصيل حياتهم الىومية في العادة، خصوصًا مع التشديد على منع بيع المخابز والمحلات “المسموح لها بمزاولة عملها” للقهوة الجاهزة، ليصل الأمر إلى أنه في احدى فترات الحجر التي سُمح فيها للمقاهي بمزاولة عملها لساعات معينة، منعت المقاهي من تقديم القهوة بعد منتصف النهار، غير أنك كزبون بإمكانك طلب الشاي أو العصير او حتى الحلويات لكن “مانجموش نسرفيو قهوة” يردد النادل وسط استغراب الرواد، وصولاً إلى آخر صيحة، حيث امتلأت صفحات المواقع الإخبارية بعناوين مثل “هنا تباع القهوة خلسة” والتي نجد في تفاصيلها اخبار عن “ضبط السلطات لمخابز وبقالة اقتنوا آلات لتحضير القهوة وشرعوا في ترويجها بين حرفييهم ” وفي منطقة أخرى “ضبط حماص وأمامه طابور من المارة، ليتبيّن أنه كان بصدد تزويدهم بالقهوة ، وتقرر إغلاق المحلات بصفة فورية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حق أصحابها”.
و أخبار أخرى عن ضبط مواطن وهو يشرب القهوة في الشارع، والذي أكد بدوره على “أن أصحاب المحلات يبيعون القهوة من النوافذ الخلفية”.. وغيرها من العناوين التي إذا قرأتها منذ عام ماضي لكانت أكثر طرافة من تلقيها في أيامنا هذه..
صباح اليوم، وعند سؤالي لصاحب المخبز الذي أتردد عليه عن إمكانية طلب قهوة للخارج، تردد وهو يرفض طلبي وحدثني عن أن الشرطة زارتهم منذ أيام وأبلغتهم صراحةً أن بيع القهوة ممنوع حتى نهاية فترة الحجر، وعرض علىّ العصير الطازج بدلا عن ذلك، وبالفعل قدم لي العصير في كوبٍ ورقي مماثلا للذي يقدمون فيه القهوة عادةً، لم أفهم لما تجرم القهوة، تسألت؟ فجاوبني صديق أحد الأصدقاء: “لمنع التجمعات، فالقهوة في تونس لا تُشرب في سكات، سواءً جالسين في مقهى أم وقوفًا على حاشية الطرقات تًرافق القهوة السيجارة وتدور الأحاديث” وكما أعلم وتعلمون لا تُحبّذ حكوماتنا الأحاديث والتجمعات.