مانشستر بين إبراهيموفيتش “السويدي” وسلمانوفيتش “الليبي”
سالم العوكلي
218TV.net مقال خاص
في مانشستر لا أحد يتحدث عن أصول إبراهيموفيتش المسلم الذي هاجر والده البوسني إلى السويد عام 1977 ، وما الذي جعل زلاتان يولد في حي المهاجرين، روزينبرغ في مالمو بالسويد؟ والجميع يتحدث عن أصول سليمان العبيدي المولود في مانشستر، بالطبع لا ثمة مقارنة بين مسلم يحرز الأهداف فيفجر المدرجات بالفرح (مع أنه يحزن النصف المشجع لمانشستر سيتي) وبين مخبول بدون أي هدف يفجر حفلاً موسيقياً وينشر أشلاء الجثث في كل مكان.
في دستور (1974م) اعترفت الدولة اليوغسلافية الشيوعية بالقومية الإسلامية، إلا أن الاعتراف لم يلغ العصبية الصربية الهائجة وأطماعها الممتدة إلى بناء صربيا الكبرى، وهذه العصبية المتطرفة هي ما أدت إلى هجرة الكثير من مسلمي البوسنة إلى الشمال الأوربي بحثاً عن ملاذ آمن ، وكان شفيق إبراهيموفيتش أحد المهاجرين من بوادر التصفية العرقية للمسلمين التي كانت تستمر في ظل الدولة الشيوعية، والأمر ليس غريبا لأنه كما يذكر موقع “لفلي سمايل) في باب “ذاكرة الأيام” أنه قبل ذلك بربع قرن ” قضى الشيوعيون في يوغسلافيا على الحركات الإسلامية كحركة “الشباب المسلم” سنة (1949م). وكانوا يلقون بالمسلمين أحياء في آبار طبيعية، ويضربون الأطفال الضعفاء على الصخور، ويذبحون من عاش منهم ويلقون بالجثث دون دفن.”.
هاجر والد زلاتان هروبا من الإرهاب الأرذوكسي ليجنب نفسه وعائلته المجازر التي سيتعرض لها قومه وأقاربه بداية تسعينيات القرن العشرين عندما كان عمر زلاتان 12 عاما ، حيث يسرد الموقع نفسه بعض تفاصيل هذه الجرائم الإرهابية التي أجازتها فتاوى الكنيسة الأرثوذكسية وتمت تحت أنظار القوات الهولندية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وبتواطؤ من قبلها : “ارتكب الجنود الصرب فظائع كثيرة في حق المسلمين البوسنيين، وكان كل شيء بعلم الكنيسة الأرثوذكسية وأوامرها؛ فقام الجنود بقطع إصبعين وترك ثلاثة أصابع للضحايا كرمز على التثليث، ورسم الصليب على الأجسام بالسكاكين والحديد، كما أصدرت الكنيسة فتوى تبيح اغتصاب الصرب للمسلمات؛ فتم اغتصاب آلاف الفتيات، حتى أنه من كثرتهم لم يتوصل إلى إحصائية دقيقة تعبر عن عدد المغتصبات، وتشير بعض التقديرات إلى اغتصاب حوالي (60 ألف سيدة وفتاة وطفلة) بوسنية حتى (فبراير 1993م)، والمحزن أن كل واحدة من هؤلاء تم اغتصابها عدة مرات.”.
ما الذي يجعلني اتذكر زلاتان وأنا بصدد الكتابة عن الإرهابي سلمان؟ لعل المشترك الأساسي بينهما هو وجودهما في الوقت نفسه في مدينة مانشستر، وأصلهما المسلم، وهجرة أبويهما من وطنيهما الأصليين . لكن الفارق كبير، فوالد زلاتان هاجر هروبا من التعصب والإرهاب المسيحي تجاه الأقلية المسلمة في أوروبا الحديثة، ووالد سلمان هاجر بسبب تعصبه وأعماله الإرهابية لتحضنه بريطانيا 20 عاما ثم ترجعه إرهابيا إلى وطنه الذي بدأ يتنشق نسيم الحرية العام 2011 .
لقد تلقى زلاتان وهو طفل أول هدية، حذاءً رياضياً، ليصبح أحد نجوم كرة القدم في العالم، وأيقونة فن وجمال في مدينة مانشستر التي وصلها العام الماضي، ولا أدري أية هدية تلقاها الطفل سلمان ليحافظ على جذوة الإرهاب داخله كل هذا الوقت، وتعرفه مانشستر والعالم كله كإرهابي يتلقى أوامره من داعش. ولا أحد يتحدث عن زلاتان نجم المنتخب السويدي كبوسني لكن الجميع يتحدث عن سلمان؛ الذي ولد وتربى في بريطانيا، كليبي.
يذكر المؤرخون أن الإرهاب الإسلامي بدأ مع المذهب الإسماعيلي وفرقة الحشاسين، لكن الإرهاب بمفهومه الحديث كان أحد نتاجات الحرب الباردة التي استخدمت كل الأوراق ومن الطرفين ، بداية من الخمير الحمر ، مرورا بالألوية الحمراء والمكارثية والتعصب الأرثوذكسي في البلقان وصولا إلى داعش ، والفكرة المشتركة كانت اقتل من تشاء من أجل عقيدتك.
هكذا تأسست جماعة الأخوان في عشرينية القرن العشرين بدعم من الشركة الإنجليزية المكلفة بحفر قناة السويس، ومن عباءة الأخوان خرجت كل هذه التنظيمات الإرهابية، بل أنها خرجت عن سيطرة منهج الجماعة البراغماتي المرواغ وعن كل تنظيراتهم للتقية، لأن استخدام الدين في السياسة مثل التلاعب الجيني بالميكروبات لابد أن يخرج عن السيطرة وكل جيل يصبح أكثر فتكا من الجيل الذي قبله .
في ظل الحرب الباردة تكون تنظيم القاعدة عن طريق إدارة المخابرات الأمريكية للمذهب السلفي الجهادي ليكون حليفا ضد المد الشيوعي والشيعي في الوقت نفسه، وحين انتهت الحرب الباردة بدأت حربه الساخنة مع كل العالم إلى أن وصل إلى تفجير أبراج منهاتن ، وعن تنظيم القاعدة أدى التلاعب الجيني إلى خروج داعش بتكتيكها المختلف.
ومثلما كانت بريطانيا معقل جماعة الأخوان الدائم وحاضنته وملاذها، رغم ما ارتكبوه في مصر من اغتيالات سياسية وما انشق عنها من تنظيمات تكفيرية، غدت في عقدي الثمانينيات والتسعينيات ملاذا للمتشددين الدينين الذين ارتكبوا جرائم إرهابية في الضفة الأخرى من المتوسط تحت حق اللجوء السياسي من أنظمة مستبدة في بلدانهم الأصلية، بل أنها رفضت تسليمهم رغم سجلهم الجنائي والإرهابي ، وفي الوقت نفسه لم تتوقف علاقتها ودعمها لتلك الأنظمة الاستبدادية.
قلة من اللاجئين اندمجت في المجتمع الجديد، بل وتأثرت بقيمه الحقوقية، والأغلبية حافظت على عزلتها وربت أبناءها على الفكر نفسه، وبمجرد أن بدا الربيع العربي وسقطت هذه الأنظمة بدأ هؤلاء الذين لم يتغيروا في التهاطل على دولهم الأصلية للمشاركة في الحراك ليستأنفوا ما كانوا يقومون به وهو تصفية كل من يمت لمؤسسات الدولة الحديثة بصلة،وكأنهم في فترة وجودهم في بريطانيا أو أوروبا كانوا نائمين في الكهف .
يبدو أن هذا هو الظاهر من كل ما يحدث، لكن الأمور ليست متعلقة كلها بالدستور وحقوق الإنسان واللجوء، فثمة ما يطبخ في مطابخ المخابرات، وثمة ما يلبي استراتيجيات ومصالح هذه الدول .
اعتقدت بريطانيا وغيرها أن الإرهابيين الذين عاشوا في كنفها أصبحوا مسلمين معتدلين، لذلك كان تدخلهم في ثورات الربيع العربي عبر دعم ما سموه الإسلام المعتدل رغم أن المنطق التاريخي يقول أن أي دين حين يسيس لن يكون معتدلا ، وأي قومية شوفينية أيضا . دفع العالم في القرن العشرين ملايين من الضحايا الأبرياء بسبب التعصب القومي ، ويبدو أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن ضحايا التعصب الديني والطائفي.
سليمان رمضان نموذج لكثير من المهاجرين الذين ولدوا هناك وعاشوا وتربوا دون أن يتخلوا عن حقدهم على هذه المجتمعات التي آمنتهم من خوف وأطعمتهم من جوع ، والسؤال الذي يطرح نفسه : ألا تعرف المخابرات الإنجليزية المحترفة سيرة المدعو سليمان وسيرة والده، حتى يتنقل بسهولة بين طرابلس ولندن حتى وإن كان يحمل الجنسية البريطانية، بينما العالم برمته ودول الجوار تؤكد على أن ليبيا خطرة ومكان لتصدير الهجرة والسلاح والإرهابيين . فماذا يحدث بالضبط وهل ثمة ما خلف الأكمة ؟
لا أميل إلى نظرية المؤامرة دون أن أنفيها، لكن عادة ما استخدم تعبيرا بديلا وهو صراع المصالح، ولكن هل ثمة مصلحة لبريطانيا ودول أوربية أخرى في احتضان أشخاص متشددين مطلوبين في جرائم عند دولهم الأصلية؟ هل ثمة مصلحة في تصدير مثل هؤلاء لدولهم حين استشرى فيها الفراغ الأمني ؟ هل ثمة مصلحة للغرب برمته أو للدول الكولينالية السابقة في استمرار الإرهاب ؟
أسئلة لا استطيع الإجابة عنها، وربما المختصون أقدر على الإجابة، لكن المعلن والمعروف أن هذه التنظيمات بكل مسمياتها ترعرعت برعاية مخابرات دولية فترة الحرب الباردة، وأن الإستراتيجية الأمريكية صرحت بأن العدو القادم لأمريكا والغرب هو الإرهاب الإسلامي بعد سقوط العدو التقليدي الشيوعية، وأن داعش التي سيطرت على أراض كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت أن تحصل على موارد مالية مهمة وأسلحة، لا يمكن أن تفعل ذلك دون دعم لوجستي خبير ومحنك .
هذا فضلا عن المعلن جدا بعد الربيع العربي، وهو حماس تلك القوى الكبرى الشديد لتمكين الإسلام السياسي من مفاصل هذه الدول رغم أنهم يدركون ما فعله تسييس الدين في أوروبا طيلة قرون من القمع والظلام، بل أن مجازر التعصب الديني استمرت في أيرلندا والبلقان حتى عتبات القرن الواحد والعشرين .
كان لدى سلمان فرص كثيرة كي يكون طريقه مختلفاً لو أُهدي له طفلاً جوز أحذية رياضية أو آلة موسيقية، لكن كل تلك الفرص ضاعت بعكس إبراهيموفياش الذي يغتنم الفرص قتصفق له مانشستر أو نصف مانشستر . وسيظل لسان حال سلمان ومن مثله يقول: هذا ما جناه علي أبي، والآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.