ماذا يعني سيناريو إعادة الانتخابات في تونس؟
د. آمال موسى
في البداية، أي بعد فشل الحكومة التي عيَّنت رئيسها حركة «النهضة» التونسية في الحصول على ثقة البرلمان، منذ قرابة ثلاثة أسابيع، كان الحديث عن إعادة الانتخابات مستحيلاً، وأكبر من قدرة التونسيين على المغامرة السياسية.
الآن، وبعد تكليف رئيس الدولة للسيد إلياس الفخفاخ تشكيل الحكومة خلال شهر، وتحديداً بعد أن صرح الفخفاخ بأن حركتي «قلب تونس» و«الحزب الدستوري الحر» لن تكونا ضمن التركيبة السياسية للحكومة، نلحظ أن سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية، بدأ يطرح نفسه، وأصبح من الاحتمالات الواردة لا شبه المستحيلة؛ خصوصاً أن حركة «النهضة» قد لمحت لذلك أثناء انعقاد مجلس الشورى التابع لها الأحد الماضي.
طبعاً هذا السيناريو المفتوح على المجهول لن يصبح حقيقة إلا إذا فشلت حكومة السيد الفخفاخ في الحصول على ثقة البرلمان، كما حصل للحكومة السابقة. غير أن الحديث عنه والتفكير فيه يكشفان عن استعداد سياسي، أنتجته تصريحات السيد الفخفاخ الواضحة جداً، التي أظهرت أن حكومة الرئيس تتعامل من منطلق القوة الرمزية مع الأحزاب. وهي قوة تستمد صلابتها من فكرة أنه ليس من مصلحة الأحزاب التونسية إعادة الانتخابات التشريعية، وأن النواب سيخافون على مقاعدهم البرلمانية، ولن يزجوا بأنفسهم في مغامرة محفوفة بالمجهول.
الواضح أن الضغط بورقة خوف النواب على مقاعدهم بدأ يفقد شيئاً من الخوف.
وكي نفهم أكثر، ماذا تعني إعادة الانتخابات التشريعية، من المهم طرح سؤال: من الذي يمكن أن يستفيد من هذه الإعادة؟
المستفيد الأول هو رئيس الدولة نفسه؛ لأنه بوضع خطوط حمراء على وجود الأحزاب المشار إليها للمشاركة في الحكومة المرتقبة، يكون قد اختار نهج: كل السيناريوهات ممكنة. مع التذكير بأن الرئيس قيس سعيد من المنتقدين بشدة للنظام البرلماني، وسبق أن أعلن أنه سيقوم باستفتاء شعبي لتغيير النظام البرلماني. وما يؤكد ما ذهبنا إليه هو أن الخطاب الذي اعتمده مرشح الرئيس الحالي السيد الفخفاخ خطاب وزير أول، وهي خطة تحيل على النظام الرئاسي وليس البرلماني.
وكما هو معلوم، فإن صلاحيات الرئيس في النظام التونسي الراهن محدودة جداً، كما شأن الأنظمة البرلمانية، إضافة إلى أن ما عاشه الحقل السياسي التونسي خلال الأشهر الأخيرة من مخاضات جديدة، أظهر حجم الثغرات الموجودة في الدستور، التي تقابلها أيضاً مماطلة كبيرة في خصوص إنشاء المحكمة الدستورية القادرة على تقديم الإجابات وسد الثغرات الدستورية.
المستفيد الثاني من إعادة الانتخابات هو «الحزب الدستوري الحر» الذي تقول آخر نتائج سبر الآراء إنه الأول، وهو حزب اختار المعارضة، ومواجهة الإسلام السياسي ورفض التعامل معه.
وفي هذا السياق، نشير إلى أن المستفيد الأول ثوري (الرئيس)، والمستفيد الثاني هو حزب رافض للثورة التونسية وغير معترف بها. أما حركة «النهضة» فهي في منطقة ما بين: إما أن تحسن من نصيبها من عدد مقاعد البرلمان، باعتبار أن ما تحصلت عليه من أصوات في الانتخابات الأخيرة أقل من توقعاتها، وإما أن تتوغل في التراجع أكثر، إذا لم تعرف كيف تلملم الانشقاقات التي بدأت تظهر بقوة داخلها.
إضافة إلى أن التراجع عن التزامها أثناء حملتها الانتخابية عن التعامل مع حركة «قلب تونس» قد يعرضها إلى خسارة أصوات عدة؛ خصوصاً أن هذا الموضوع شق صفوف القواعد «النهضوية».
في الحقيقة نلاحظ أن الفعل السياسي ما بعد الانتخابات، وما أفرزته نتائجها من مشهد برلماني مشتت القوى، قد قام على المخاوف: الخوف من حكومة الرئيس، ثم الآن الخوف من إعادة الانتخابات. وهي مخاوف بصدد التقلص؛ لأن هناك رغبة في سحب البساط من خطاب استثمار المخاوف.
السؤال الآن: من الخاسر من إعادة الانتخابات التشريعية؟
إلى جانب التكلفة السياسية المجهولة، إذا تعذر على حكومة السيد الفخفاخ نيل الثقة من البرلمان، ومن ثم المرور إلى سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية، فإن هناك تكلفة مالية معلومة، وتكلفة زمنية معلومة، وهي أيضاً ذات خسائر مالية يصعب تقديرها؛ ذلك أن الانتخابات كي تُجرى تحتاج إلى مليارات من الأموال، في الوقت الذي يعاني فيه التونسيون الغلاء، والفقر، والأفق غير الواضح، والأمل الغائب.
من جهة ثانية، فإن العالم – وتحديداً المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الأجانب – لن يتعاملوا مع حكومة تصريف أعمال، أي أنهم سينتظرون ما بعد إعادة الانتخابات كي يحددوا خطواتهم إزاء تونس. وكما نرى، فإن التأجيل في حد ذاته له تكلفته الباهظة جداً.
من هذه المنطلقات، وأيضاً مع الأخذ بعين الاعتبار عزوف التونسيين عن المشاركة في الانتخابات، وهو ما أكدته النسبة المتواضعة جداً للمشاركين في التصويت الانتخابي الأخير، فإن المتوقع في صورة الإعادة هو بروز مشهد مشتت؛ لأن كل حزب عليه انقسامات، ولا نستطيع القول بحزب يمتلك أغلبية نسبية صريحة وواضحة ومستقرة.
إن ما أدت إلى هذه الحال السياسية المعقدة المتوترة، هي هيمنة التناحر الآيديولوجي على المصلحة الوطنية، ولقد كانت نتائج الانتخابات الفارطة عقاباً لهذا التناحر الذي لم يعالج، وأغلب الظن أن الشفاء التونسي منه ليس بقريب، وبتكلفة أقوى من قدرتنا على التوقع.