ماذا جرى للصحافة؟
مأمون فندي
لا يكد يمر أسبوعٌ إلا ووجدت مقالاً مسروقاً في كثير من الصحف العربية، فهل تخلَّت الصحافة عن دورها كحارس للبوابة من حيث التدقيق في المعلومات (fact checking)، أو التأكد من المقالات المنشورة على صفحات الرأي فيها، هل هي لأصحابها، أم أنها مسروقة؟
كنا نتصور أن تدفق المعلومات في الإنترنت، وسرعة البحث من خلال محركات البحث المختلفة ربما يساعدنا في فرز الغث من السمين أو المغشوش من الأصلي، ولكن يبدو أن العكس هو الذي يحدث هذه الأيام، فحجم المقالات والتقارير المسروقة يدعو إلى الفزع، خصوصاً من مجموعات الكتاب الذين ينشرون العديد من المقالات في صحف مختلفة، وبشكل شبه يومي. ربما هو اللهث وراء لقمة العيش أو الشهرة أو كليهما معاً، هذا ما يدفع هذه الفئة إلى استسهال الغش والسرقات.
ظني أنه أصبح ضرورياً في عصر السوشيال ميديا، والاستسهال، أن تصبح الصحيفة هي الحكم في ضبط أصول المهنة من حيث التدقيق المعلوماتي، والتدقيق في السرقات الصحافية، فلا يستقيم أن تكون البوابات مشرعة دونما حراس للحقائق وللحقوق الفكرية للكتاب من اللغات المختلفة.
الحوار حول مصداقية الإعلام هذه الأيام أصبح ضرورة يجب أن تفرد لها الصحافة مساحات واسعة. لا أدعي تفوقاً أخلاقياً على أصحاب مهنة الصحافة، فهم أدرى بشعاب ودروب مهنتهم، ولكن المشهد أصبح عبثياً، فلا يستطيع القارئ أن يميز بين كاتب يفكر لمدة أسبوع كي يكتب مقالاً أصيلاً وجاداً، وبين سارق يستسهل الاقتباسات المطولة جداً من الصحافة الأجنبية، خصوصاً تلك التي تنشر موادها باللغة العربية. إن غياب المحاسبة، وربما عدم الاهتمام بتنمية القدرات، هو المسؤول الأول عن حالة الفوضى السائدة الآن.
من حق السارق، أو من يستمرئون السرقة، أو يستسهلونها، أن يعرضوا بضاعتهم الزائفة، ولكن المسؤولية تقع في المقام الأول على الصحف التي تستسهل وتستهلك هذا الزيف وتقدمه إلى جمهورها على أنه حقيقة.
القارئ يثق بالصحيفة التي تعود على قراءتها، وتصبح بالنسبة له برانداً جديراً بالثقة، وتقديمها مادة مغشوشة للقارئ، مستغلة هذه الثقة، لهو جرم كبير في نظري.
لا أرى من وجهة نظري أي مبرر لهذا الصمت المطبق حول ظاهرة استشرت مثل الوباء في عالم الكتابة. لم أتابع الصحافة المرئية منذ فترة، ولا أستطيع الحكم عليها، ولكن ظني أن الظاهرة تستشري في الصحافة المرئية، وهي ظاهرة فعلاً.
حان وقت المسؤولية، وحان وقت المحاسبة، وإلا فلا يوجد مبرر لمهنة الصحافة، وما ينفق عليها من مليارات الدولارات بطول العالم العربي وعرضه. إنها فضيحة بامتياز وجديرة بنقاش يليق بقيمتها وأهميتها للمجتمع، وكذلك نقاش جدير بمستقبلها.