ماذا تعني «قنبلة» أوباما للمنطقة؟
عثمان الميرغني
إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي تستعد للرحيل فجرت قنبلة مدوية ستكون لها تداعيات كبيرة في المنطقة. فالقرار الذي اتخذته الإدارة بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة قرار لمجلس الأمن يدين إسرائيل وسياساتها الاستيطانية لأول مرة منذ عام 1979، لم يكن في تقديري مجرد تعبير عن غضب أوباما وإحباطه من حكومة بنيامين نتنياهو، بل كان خطوة محسوبة لتحريك ملف القضية الفلسطينية في وقت تتهيأ فيه إدارة دونالد ترامب المقبلة لاتخاذ خطوات تشجع سياسة الاستيطان وتعترف بالقدس «عاصمة موحدة وأبدية للدولة اليهودية»، وتنادي فيه أحزاب إسرائيلية متطرفة بدفن حل الدولتين.
صحيح أن الخطوة جاءت متأخرة من أوباما وفي الوقت الضائع من عمر إدارته، وصحيح أيضًا أنها تبدو خطوة رمزية لأن إدارة ترامب المقبلة لا تخفي عزمها على إبطال مفعولها والرد عليها بإجراءات تدعم سياسات إسرائيل، لكنها على الرغم من ذلك، رمت حجرًا كبيرًا في بركة عملية السلام الراكدة، ووضعت إسرائيل في مواجهة مع المجتمع الدولي. فالقرار سواء في حيثياته المتعلقة برفض سياسة التوسع الاستيطاني والمطالبة بوقفها الفوري واتخاذ إجراءات لعكس مسارها السلبي، أو في رفضه لأي تغييرات في وضع القدس إلا تلك التي يتفق عليها الطرفان المعنيان خلال المفاوضات، أو في تأكيده على حل الدولتين على أساس خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، يوجه لطمة لسياسات حكومة نتنياهو. وفي الوقت ذاته يوجه رسالة تحذير قوية من المجتمع الدولي لإدارة ترامب المقبلة بشأن التحول الذي تنوي إحداثه في السياسة الأميركية بتأييدها للتوسع الاستيطاني، أو بنقلها لمقر السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها «عاصمة موحدة وأبدية» لإسرائيل.
من هنا يمكن فهم رد الفعل الغاضب من ترامب وتهديده للأمم المتحدة بأن «الأمور ستكون مختلفة بعد 20 يناير (كانون الثاني)»، أي بعد تنصيبه رئيسًا. أيضًا من هذا المنطلق يمكن فهم رد الفعل العنيف من حكومة نتنياهو التي وصفت القرار بأنه «منحاز ومشين»، متهمة إدارة أوباما بأنها خانتها ونفذت «مناورة مخزية معادية لإسرائيل». وذهبت إلى حد القول إن لديها معلومات استخباراتية بأن فريق أوباما عمل في السر على هندسة مشروع القرار وإخراج صياغته.
إلى أين تتجه الأمور من هنا؟
بالنسبة لنتنياهو الذي كان يتباهى بأن حكومته قطعت شوطًا بعيدًا في توسيع رقعة علاقات إسرائيل الدولية، فإنه وجد نفسه فجأة في مواجهة مع المجتمع الدولي، ومع قرار من مجلس الأمن يتصدى لخططه في ثلاثة أمور أساسية هي التوسع الاستيطاني، ومستقبل القدس، وحل الدولتين. وردًا على ذلك أعلنت حكومته تقليص العلاقات مع الدول التي صوتت لصالح القرار، واستدعت سفراءها من عشر دول «للتشاور»، وأوقفت التعاون مع بعض الدول، وألغت زيارات بعض المسؤولين الأجانب مثل زيارتي رئيس الوزراء الأوكراني ووزير خارجية السنغال لأن الدولتين صوتتا مع قرار مجلس الأمن. كذلك أعلن نتنياهو أنه سيوقف دفع مساهمة بلاده المالية للأمم المتحدة، كما سيدرس حظر موظفي المنظمة الدولية من دخول إسرائيل.
ولأن الحكومة الإسرائيلية تتخوف من خطوات أخرى مقبلة خصوصًا مع اجتماع باريس المقرر منتصف يناير المقبل دعمًا لعملية السلام بمبادرة فرنسية، فإنها مضت في طريق التصعيد والتحدي معلنة أنها «لا تدير خدها (لصفعة أخرى)»، وأنها قررت المضي قدمًا في خططها لبناء آلاف الوحدات السكنية في القدس الشرقية. وقال نتنياهو إن حكومته تريد بالخطوات التي اتخذتها أن «تعلن لدول العالم أن الذي حدث في الأمم المتحدة غير مقبول لدينا».
إسرائيل تستقوي بالتأكيد بإدارة ترامب المقبلة التي أعلنت نيتها تبني سياسة داعمة للتوسع الاستيطاني، ولضم القدس الشرقية واعتبار المدينة بقسميها «عاصمة موحدة للدولة اليهودية». وتأكيدًا لهذا التوجه اختار ترامب شخصية يهودية متطرفة لمنصب السفير الأميركي المقبل لدى إسرائيل، وهو المحامي ديفيد فريدمان المعروف بتأييده لسياسة الاستيطان. من هذا المنطلق يقول نتنياهو «إننا ندخل مرحلة جديدة، وهي مرحلة ستحدث كما أعلن الرئيس المنتخب ترامب، أسرع مما يعتقده الناس».
هذا الكلام يتماشى مع التحذيرات التي يطلقها دعاة حركة السلام من أمثال الكاتب والصحافي الإسرائيلي البارز جدعون ليفي الذي قال في مرافعة أمام مؤتمر اللوبي الإسرائيلي في أميركا العام الماضي، إن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ لأن «المجتمع الإسرائيلي أدمن الاحتلال وفقد صلته بالواقع والمجتمع الدولي»، على حد تعبيره. وخلص إلى أن لا أمل في تغيير من الداخل، وأن الأمل الوحيد في تدخل من المجتمع الدولي، محذرًا في الوقت ذاته مما اعتبره مخاطر «الصداقة المفسدة» بين أميركا وإسرائيل بسبب قوة تأثير جماعات الضغط اليهودية في أميركا.
لو صدقت المؤشرات فإن عام 2017 سيكون عامًا حافلاً بالصدمات على صعيد القضية الفلسطينية والمنطقة.. خصوصًا مع إدارة ترامب المتحفزة لارتكاب حماقات غير محسوبة العواقب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية