“ماذا بعد زيارة السفير التركي إلى بنغازي؟”
عبدالله الغرياني
زار السفير التركي في ليبيا، كنعان يلمز، مدينة بنغازي، يوم السبت، وتضمنت هذه الزيارة لقاءات تمت داخل مقر المجلس البلدي بنغازي بطريق المطار مع عميد البلدية وعدد من أعضاء مجلس النواب ورجال الاعمال، سبقتها زيارة أخرى الأسبوع الماضي لمدينة القبة قابل خلالها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في مقر إقامته ببوشمال، هذه الزيارات أتت بعد لقاءات اجراها وفد نيابي من نواب المنطقة الشرقية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومجلس النواب التركي، والذي يمكن استنتاجه من خلال هذه اللقاءات والزيارات أن هناك توجهًا لإقامة تقارب بين السلطات المحلية في الشرق مع تركيا يتم من خلالها حل المشكلات القائمة كافة، والتي تسببت في وقت سابق في قطع العلاقات مع تركيا وإيقاف الرحلات الجوية من و إلى مطارات الشرق الليبي وخطوات أخرى تمثلت في بيانات وتصريحات حادة بين الطرفين نتيجة التدخل التركي المباشر في ليبيا إبان المعارك التي خاضها الجيش ضد المجاميع المسلحة التابعة لسلطة حكومة الوفاق، الأمر الذي اعتبره مجلس النواب وحكومته المؤقتة بأنه غير قانوني ولا شرعية له كونه تدخلاً تم عن طريق اتفاقيات وقعت مع حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية والتي لا يخولها الاتفاق السياسي بحسب المادة الثامنة به من توقيع الاتفاقيات إلا من خلال جلسة لأعضاء المجلس الرئاسي مكتمل النصاب وأكد مجلس النواب أن الاتفاقيات لم تعرض على المجلس المُشرع الوحيد بحسب الاتفاق السياسي ليتم الفصل فيها، وردت تركيا مدافعة عن موقفها بأن التوقيع تم مع حكومة شرعية معترف بها دوليًا أما التشريع فهو شأن داخلي ليبي، وأن الاتفاقيات أولاً الأمنية تم توقيعها مع وزير داخلية حكومة الوفاق “فتحي باشا اغا” بدافع مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتبين بعد ذلك أن هدف هذه الاتفاقية إيقاف تقدمات قوات الجيش التي كانت تتمركز على أطراف العاصمة طرابلس، ثانيًا في المقابل تم توقيع اتفاقية أخرى حول السيادة على المناطق البحرية تم من خلالها ترسيم الحدود بين البلدين، الأمر الذي كانت تنتظره تركيا منذ سنوات طويلة وحصلت عليه كمقابل للاتفاق الأمني.
الدور التركي في ليبيا عن طريق الرئيس رجب طيب أردوغان كان سلبيًا بالنسبة للتيارات الوطنية فبعد الثورة الشعبية في فبراير 2011 تأخرت تركيا في الاعتراف رسميًا بالمجلس الوطني الانتقالي ممثل الثورة ورفضت الانضمام لعمليات حلف الشمال الأطلسي خوفًا على مصالحها في ليبيا حيث حصلت إبان عهد نظام سابق على مئات العقود في مجالات متعددة ضمن مشروعات ما يسمى “مشروع ليبيا الغد” الذي كان يقوده نجل العقيد القذافي “سيف الاسلام” متحالفاً مع قيادات فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بليبيا، واستطاع أحد قيادات هذا التنظيم وهو “علي الصلابي” وبشهادة المستشار “مصطفي عبدالجليل” رئيس المجلس الوطني الانتقالي بإقناع الرئيس التركي أردوغان بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي وهذا ما تم واعترفت تركيا عبر وزير خارجيتها بالمجلس الوطني الانتقالي في 3 يوليو أي بعد مرور خمسة أشهر من انطلاق الثورة الليبية وخلال هذه الأشهر شهدت مدينة بنغازي احتجاجات أمام القنصلية التركية تطالب تركيا بسحب اعترافها بنظام العقيد القذافي.
واعترفت، مع هذا الاعتراف، بقرارات مجلس الأمن المتخذة في شهر فبراير من نفس العام ضد نظام العقيد القذافي وقدمت بعد ممانعة ست سفن حربية في إطار عمليات حلف شمال الأطلسي في ليبيا، ومع هيمنة الإسلاميين على المجلس الوطني الانتقالي؛ تمكن الرئيس التركي رجب أردوغان من زيارة ليبيا مبكرًا في شهر سبتمبر 2011 أي قبل سقوط نظام القذافي نهائيًا، وشملت الزيارة العاصمة طرابلس ومصراتة وبنغازي، ويمكن القول إن علاقة تركيا بليبيا بعد الثورة كانت بسبب مصالح جماعة الإخوان المسلمين لوضع غطاء إقليمي يحمي فرع التنظيم داخل ليبيا، الأمر الذي جعل تركيا تحسم أمرها تجاه الثورة بعد الانهيارات التي كانت تتعرض لها قوات نظام القذافي وتضمن من خلال الاعتراف مصالحها ومصالح الجماعة في ليبيا .
ومن هن، بدأ الدور العبثي التركي في ليبيا ولابد لنا التمييز بين تركيا البلد إي الجغرافيا والشعب وبين السلطة المتمثلة في الحزب الحاكم بقيادة أردوغان الذين فشلوا في التوازن بين النموذج التركي المحلي الذي مهد له “كمال الدين أتاتورك” وسياستهم الخارجية في ليبيا مثالاً وهذه السياسات تمثلت في دعم وحماية فرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذين افسدوا الثورة الليبية وقادوها للانقسام عبر سيطرتهم على القرار داخل المجلس الوطني الانتقالي واستخدامهم للفصائل والمليشيات المسلحة كأذرع عسكرية بديلة للجيش والمؤسسات الشرطية والأمنية والتي من خلالها أصبحوا ينفذون أجنداتهم وهذا الأمر الذي وقف أمامه التيار الوطني الذي أعلن عن دعمه لدولة المؤسسات، الأمر الذي جعل أبرز قيادات هذا التيار يتعرضون للتصفية الجسدية والاغتيالات المعنوية على يد المليشيات الموالية للإخوان المسلمين، في الأثناء جددت تركيا وقوفها في صف الميليشيات وجعلت من اسطنبول قبلة لقيادات الميليشيات المسلحة ونقطة عبور للمقاتلين الليبيين والتوانسة الذين يغادرون من ليبيا عبر أراضيها باتجاه سوريا، وأصبحت اسطنبول معقل من معاقل التدبير السياسي الذي يوجه ويرسم الخطط لفرع تنظيم الإخوان في ليبيا ونقطة تلاقٍ لفروع التنظيم الدولي التي لعبت دور الوصاية على ثورات الربيع العربي واستغلالها لخدمة أهدافهم ومصالحهم.
انطلقت معارك الجيش الليبي في بنغازي بإعلان عملية الكرامة لمحاربة التنظيمات والمليشيات الإرهابية التي كان من ضمن الداعمين لها فرع التنظيم في ليبيا حتى بعد ظهور تنظيم داعش وسط هذه المعارك في صف واحد مع هذه الجماعات والتنظيمات وكانت اسطنبول مركزًا لعلاج قيادات هذه التنظيمات التي كان يعبر عناصرها عبر البحر من محاور مدينة بنغازي إلى مصراتة ومن ثم اسطنبول والعكس وتطور الأمر وتأسست قنوات إعلامية تناصر وتدعم الجماعات والمليشيات الإرهابية في إسطنبول التي في الأثناء كانت محطة لكافة محاولات الضرب السياسي لتحجيم وإنهاء ضربات الجيش الليبي للإرهاب الذي حسم المعارك ضده في بنغازي ودرنة وخليج السدرة والجنوب الليبي.
أكثر من إذاعة مرئية تبث من تركيا تناصر وبشكل صريح وعلني الجماعات الإرهابية وتستضيف طوال تغطيتها شخصيات تورطت في التحريض وبث خطاب الكراهية والعديد من الشخصيات المطلوبة لقضايا جنائية تتعلق بدعم وتمويل الإرهاب ومقاتلين سابقين في صفوف المليشيات والتنظيمات الإرهابية على رأسها مجالس شورى درنة وبنغازي واجدابيا وغيرها وجلهم مطلوبين لدى الأجهزة الأمنية.
ومن هنا، يأتي السؤال ماذا بعد هذه الزيارات واللقاءات هل ستكون تركيا بقيادة أردوغان بلدًا مسالمًا تجاه الشعب الليبي وتلتزم بإخراج قواتها والمرتزقة المرافقين لها من ليبيا، هل سوف تقتنع تركيا أن مصالحها مرتبطة بمصلحة الليبيين وليس بمصالح تنظيم الإخوان والتيارات الاسلامية الأخرى وتعترف بما تسببت فيه من أذي وألم لليبيين طوال دعمها واحتضانها لهذه التيارات، التقارب السياسي أمر إيجابي ولا ننكر أن تركيا دخلت في تقارب إقليمي مع عدد من الدول العربية بعد محطات مليئة بالتحريض والعداء بسبب مواقف هذه الدول ضد منظومة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ما هو مقابل هذا التقارب؟ وما مدى استمراريته؟ هذا ما سوف توضحه الأيام أو الشهور القادمة، هل وضعت الأطراف المحلية في الشرق الليبي المناهضة لتركيا وتدخلاتها شروطًا تجعل من هذه التقاربات تقاربات ناجحة ومستمرة؟ أم أنها تقاربات زمنية فقط لتمرير صفقة محلية، تركيا جزء منها، ثوابت التيار الوطني تتعارض مع تركيا كليًا حتى الآن؛ كون الرئيس رجب طيب أردوغان تورط في ضرب السيادة الوطنية الليبية عبر التدخل المباشر في ليبيا نصرةً لفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهذه الثوابت لا تهتز أمام أي تقارب أو تطبيع ما لم تقابله خطوات فعلية من تركيا بخصوص تحجيم ارتباطها بفرع تنظيم الإخوان في ليبيا والابتعاد عن حماية لصوص ونهابي الأموال الليبيين وعلى رأسهم رؤساء ومديرو المؤسسات السيادية الليبية، وهذا الموقف أصبح موقفًا دوليًا، فالمعارضة للنظام التركي وسياساته العبثية في أكثر من دولة ونزاع خارج حدود تركيا؛ تقف أمامه غالبية المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في العالم ونحن بالتيار الوطني جزء من هذه المنظومة التي ترفض ممارسات هذا النظام والعبث الذي تسبب في ازدياد الانقسام في بلادنا ونشر الفوضى وتعميق الارهاب، ماذا بعد زيارة السفير التركي إلى بنغازي؟.