لْمن فـ الأمازيغ..؟
فرج عبدالسلام
لم أتفاجأ كثيرا عندما اكتشفتُ بعد تحليل “الحمض النووي” لأحد أفراد عائلتي المقرّبين أنّ ثمانٍ وثمانين بالمائة من أصولي تعود إلى السكان الأصليين لمنطقة الشمال الأفريقي أي “العرق الأمازيغي” وأن العرق العربي لا يمثلُ أكثر من واحد ونصف بالمائة، والنسبة المتبقية تعود إلى أعراق أخرى يغلب عليها الإيبيريون أي من إسبانيا والبرتغال. لمْ تفرحني هذه النتيجة ولا أحزنتني، وإنما في الحقيقة أكّدت شكوكا طالما راودتني، وتطرق إليها كتّابٌ وباحثون جادون في تاريخ المنطقة من أن أصول غالبية سكان الجزء الشمالي من ليبيا، وبالأخص الجزء الغربي منها، تعود إلى السكان الأصليين الذي تم تعريبهم طوعا أو كرها، كما تؤكدُ الحوليات الليبية وكتب التاريخ..
يعرفُ كثيرون أنّ في الشرق الليبي تتردد بعفوية شديدة جملة “لْمنْ فـ العرب” ويُقصد بها سؤال الشخص عن هُويته القبلية أو المناطقية، ولا ترمز أبدا إلى السؤال عن الهوية العرقية حيث دَرَج الناس على إضفاء صفة العرب على كل من يتحدثون بلغتهم.. ولكن تظلُّ صيغة السؤال رغم عفويتها مُجحفة، وغير منصفة، كما أنها تستمد صيغتها من ضخّ ثقافي، وفهمٍ غير دقيق لحقائق التاريخ في أغلب الأحوال… وبالمناسبة يندرجُ في الإطار نفسِه إصرارُ المؤسسة العسكرية على إلصاق صفة العربية باسمها.. وهم يعرفون أو لا يعرفون، أن هذا الأمر الثانوي لن يعزز في الحقيقة كفاءة هذه المؤسسة، أو يجعلها على استعداد للذوذ عن حياض العروبة حيثما تطلب الأمر كما تشير الصفة، كما أنه لن يقدّم أو يؤخر في تأكيد الهوية العربية لليبيا التي عززها التاريخ والجغرافيا.. بل إنه يعمل على “تغريب” نسبة لا بأس بها من سكان ليبيا فيجعلهم لا يحسّون برابطة أو تعاطف تجاهها. عِلما بأنه توجد إثنيات ليبية أخرى غير الأمازيغ وتشكل جزءا مهما من النسيج الليبي.
مقولة الناس على دين ملوكهم، لها ما يُثبتها في الحالة الليبية، فمنذ انقلاب سبتمبر 69 وإعلامُ النظام يضخ بطريقة مبالغ فيها تأكيد انتماء ليبيا العروبي، ويقمع أي رأي أو ظهور إيجابي لأية إثنيةٍ أخرى مهما تسلّحت بحقائق الجغرافيا والتاريخ وعملت ضمن ثوابت المواطنة، بل ووصل الأمر منعهم تسمية أبنائهم بما يتوافق مع موروثهم الثقافي والاجتماعي، وحتى إلى القمع وإراقة الدماء في سبيل تأكيد هذا التوجّه، الذي لم يستنكف رأس النظام وتابعيه من الإعلان فجأة ذات يوم، بعد خلافٍ مع أشقائه العرب، عن التنصل من العروبة والإصرار على أن انتماء ليبيا هو إفريقي بالدرجة الأولى.. وبقية القصة الحزينة التي يعرفها الجميع.
القصة حزينةٌ برمتها، ففي الوقت الذي نسلّم فيه أنّ لكلِّ أُمةٍ تراثها الحضاري الذي تعتزُّ به، تستدعيه في أوقات الشدة كما في أوقات الرخاء، وفي الغالب يمثل ذاكرتها الجمعية، ومنظوماتها القيمية، كان يمكن للأمة الليبية أن تستفيد من ميزة التنوع العرقي والثقافي، وأن تصهره في كتلة حضارية عريقة وغنية بروافدها الثقافية ورموزها التاريخية.. لكن تاريخ ليبيا خلال أكثر من ثلاثمائة عام شابه الاضطراب الشديد، على الأقل منذ الاستعمار العثماني الذي لم يترك لنا شيئا رائعا يجعلنا نذكره بخير. وإذا ما أضيف إلى ذلك حقبة المد القومي “العربي” التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي كحركةٍ نبيلة في أهدافها، لينتهي بنا المطاف إلى هذه الحالة المزرية، التي لا يحسدنا عليها حتى الأعداء من تشرذم وتخلف مهين.
القصد من هذا الحديث هو إحياءُ روح حضارية وهُوية تجمعنا وتقينا خطر الصراعات بأشكالها التي انزلقت فيها المنطقة وبلادنا.. أقول قولي هذا، مُتمنيا لإخوتنا الأمازيغ كل الخير والاستقرار بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة.. وربما حان الوقت ليبدأ الليبيون في تصحيح تاريخهم.. والتعامل بجدّية مع مقولة “لمن فالأمازيغ”!