ليبيا و الحرب المنسية …. جيوبوليتيك الطاقة الدولية
سليمان البيوضي
الجزء الأول
تمثل الطاقة في عالمنا اليوم شعرة التقارب او التنافر بين الحكومات و الدول ، و على أساسها تعمد الدول لرسم سياساتها و خططها المستقبلية ، و تستعد المنطقة لتغيير كبير في مراكز توزيع الطاقة العالمي ، و فتح المجالات الحيوية و النفوذ و وفقا لجيوبوليتيك الطاقة الجديد ، وجب أن نتساءل : أين ليبيا منها ؟ ، و كيف يمكن أن تستعد لها ؟ ، و كيف لها أن تنهض ؟ .
يقول تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية نهاية عام 2013 ، أنه بحلول 2040 ستستهلك الدول النامية 65% من الطاقة العالمية ، و تشير تقارير نهاية العام 2017 بأن 58.1% من استهلاك الطاقة كان لصالح الدول النامية ، و أنه قد تم استهلاك 32.9 من النفط ، و أن استهلاك الغاز الطبيعي و المسال يشهد نموا حيث وصل 30.1% من الاستهلاك العالمي للطاقة ، و مثلت إمدادات خطوط الأنانيب 67.5% من اجمالي استهلاك الغاز ، و سجلت الصين نموا في استهلاك الغاز وصل 4.7% .
دخلت الولايات المتحدة مؤخرا لسوق تصدير الغاز و النفط ، و هي تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز الصخري ، و هي تعد اليوم اكبر دولة لتصديره في العالم ، و هي تسعى لربط خطوطها باتجاه اوروبا عبر كندا و آلاسكا ، و منذ العام 2012 نقلت الولايات المتحدة خططها الإستراتيجية باتجاه شرق آسيا و أستراليا و بحر الصين العظيم خصوصا عند مضيق ملقا الذي يستحوذ على 40% من التجارة العالمية ، و هي تسعى بالدرجة الأولى لتوسيع مجالها الحيوي هناك في مواجهة عملاق الإقتصاد الصيني ، و في ذات الوقت الحفاظ على توازن مقبول في منطقة الشرق الأوسط و الشمال الإفريقي ، لكنها في ليبيا تحديدا تملك مشروعا استراتيجيا طموح و هو خط الغاز غدامس أوباري لاغوس و هو الخط الذي سيسمح يتدفق احتياطيات الغاز الطبيعي و الغاز الصخري نحوها و اعادة توجيهه من جديد ، إذ أنه إذا ما بدأت ليبيا بإنتاج الغاز الصخري فإن تكلفة هذا الخط ” غدامس لاغوس ” سيكون أقل تكلفة للنقل عبر أي خط بما يقارب 40% .
روسيا المتربعة على المركز الأول الاحتياطات و التصدير للغاز و النفط في العالم ، تستعد لتمد مجالها الحيوي للشرق الأوسط و الشمال الإفريقي ، مع وجود فراغات أحدثها الانتقال الأمريكي لشرق آسيا ، و ليبيا هي أهم المواقع الإستراتيجية التي تستهدفه روسيا و تسعى من خلاله لمحاصرة اوروبا من الجنوب ، فتشيرشل كان يقول ” اوروبا ظهر التمساح و ليبيا بطنه ” في إشارة للمنطقة الرخوة جنوب اوروبا ، و كذلك لان روسيا تريد دورا محوريا في خراطة الطاقة العالمية الجديدة .
فرنسا صاحبة إحدى أهم الشركات العملاقة في قطاع النفط و الغاز ” توتال ” و التي سنت قانون بموجبه ستمنع بيع سيارات الديزل و البنزين بحلول 2040 ، من أجل استحداث بيئة نظيفة ، تعمل جاهدة على توفير ممرات آمنة لتصلها الطاقة و الثروات من القارة السمراء بسهولة ، و هي تعتمد مقاربة بين المنطقة الصناعية بقناة السويس و خط لاغوس أوباري وصولا للساحل الليبي ، و فيما يبدو ان ما تستعد لإطلاقه من عمليات عسكرية مع دول الساحل و الغرب الإفريقي هو جزء من تأمين ممرات الطاقة .
تعاني المملكة المتحدة ” بريطانيا ” من أواخر 2004 أزمة في إنتاج الغاز من بحر الشمال ، و توقعت الشبكة الوطنية للغاز أنه بحلول 2040 ستستورد بريطانيا 93% من احتياجاتها للغاز ، و بالرغم من المضار البيئية المترتبة عن استخراج الغاز الصخري ، فقد تعاقدت المملكة المتحدة مع شركة توتال الفرنسية لاستكشاف و استخراج الغاز الصخري ، و الذي سيسمح لها الاستغناء عن الواردات الغازية ، و يشار بأن المملكة المتحدة تستورد حاليا 50 % من احتياجاتها من النرويج و هولندا ، و عقب خروجها من الاتحاد الاوروبي فإنها تسعى لان تكون الممر الآمن لإمدادات الولايات المتحدة باتجاه اوروبا ، و بالتالي فإن لها مصلحة مباشرة في خط غدامس لاغوس ، و وجب التذكير بأن شركة بيريتش بوتروليم الانجليزية هي واحدة من ست شركات كبرى تستحوذ على سوق الغاز و النفط في العالم ، و هي جزء من الخارطة الجديدة لتوزيع الطاقة بالعالم .
تواجه الصين الولايات المتحدة من بحر الصين العظيم مرورا بشرق آسيا و المحيط الهندي حتى مضيق هرمز ، و على درجة اقل تتواجد روسيا بتلك المنطقة ، بحفاظها على بعض الشركاء الدوليين هناك ، و تمثل الصين و اليابان إحدى أهم دولتين بالعالم في استهلاك الطاقة ، مع تنامي لاستهلاك الغاز لدى الصين ، و بالتالي لا يمكن إنكار وجود مصلحة للصين في ليبيا الا انها اقل حدة من غيرها من الدول الكبرى .
يتبع