ليبيا… نقطة تباعد أم شراكة بين بوتين وإردوغان؟
جورج عيسى
على الرغم من تناقض المصالح في سوريا، استطاع الرئيسان الروسيّ فلاديمير بوتين والتركيّ رجب طيّب إردوغان ردم الخلافات تدريجيّاً إلى أن تعزّزت علاقتهما وباتت تتخطّى القضايا المتّصلة بالملفّ. لكنّ تضارب المصالح في ليبيا يرخي بثقله على العلاقات الثنائيّة، خصوصاً أنّ للرئيسين اهتمامات استراتيجيّة في تلك الدولة. تدعم تركيا فايز السرّاج رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً والتي تتّخذ من العاصمة طرابلس مقرّاً لها. وعلى الرغم من أنّ هذه الحكومة تحظى باعتراف دوليّ، يبقى لجيش التحرير الوطنيّ بقيادة المشير خليفة حفتر مساندون دوليّون، ولو بشكل غير علنيّ دائماً، ومن بينهم روسيا.
بوادر مواجهة
أعلن إردوغان في التاسع من الشهر الحاليّ أنّ بلاده مستعدّة لإرسال قوّات برّيّة إذا طلبت حكومة الوفاق ذلك. وشدّد على أنّ هذه الخطوة لن تخرق قرار الحظر الأمميّ بإرسال الأسلحة إلى البلاد. سبق للطرفين أن وقّعا مذكرة تفاهم في 27 تشرين الثاني الماضي وقد شملت الجوانب الأمنية والعسكريّة كما شملت ترسيم الحدود البحريّة بين ليبيا وتركيا، فيما بقيت معظم تفاصيلها سرّيّة. منذ إطلاق حفتر حرب “تحرير” العاصمة في نيسان الماضي، لم يستطع أيّ من الطرفين المتحاربين حسم النزاع العسكريّ لصالحه.
قاومت حكومة الوفاق الهجوم عبر تلقّي مساعدات عسكريّة من تركيا وخصوصاً طائرات مسلّحة من دون طيّار (درونز) وعربات مدرّعة. ومع ذلك، استطاع حفتر فرض حصار على العاصمة، خصوصاً بعد ذكر تقارير لانخراط مقاتلين من مجموعة “فاغنر” الروسيّة في النزاع منذ حوالي شهرين. لكن يبدو أنّ المواجهة غير المباشرة بين أنقرة وروسيا لن تقتصر على عربات مدرّعة وبعض المقاتلين غير النظاميّين.
في 5 تشرين الثاني الماضي، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمس” الأميركيّة أنّ روسيا “أدخلت مقاتلات سوخوي متطورة، هجمات صاروخيّة منسّقة، مدافع ذات توجيه دقيق، كما قنّاصة”. هذه التطوّرات ذكّرت الصحيفة بالانتشار العسكريّ الروسيّ في سوريا الذي جعل من موسكو “صانع ملوك” في تلك البلاد. وإذا صحّ التقرير فسيكون بإمكان روسيا أن تكسر التوازن القاتل في ليبيا وترجّح كفّة النزاع لصالح حفتر. لا يوافق جميع المراقبين على خبر نشر روسيا للمقاتلات المتطوّرة. وهذا ما قاله خبير الشؤون الأمنيّة ومراقب التطوّرات العسكريّة في عدد من ساحات النزاع ومن بينها ليبيا أرنو دو لالاند في حديث إلى موقع “أحوال” التركيّ. ومع ذلك، لا ينكر محلّل الشؤون الليبيّة يوسف التاجوري أنّ نشر روسيا للقوّات المتعاقدة والنظاميّة كان جوهريّاً.
“ضرورة التمييز”
تباحث بوتين وإردوغان هاتفيّاً في الحادي عشر من الشهر الحاليّ في الوضعين السوريّ والليبيّ. ومن المتوقّع أن يواصل الرئيسان النقاش حول الملفّين حين يزور بوتين أنقرة الشهر المقبل. وعاود الرئيسان التباحث هاتفيّاً في الشأن الليبيّ أمس الثلاثاء، وقد أشار الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى أنّ “روسيا تدعم جميع جهود الدول المنفردة على مستوى إيجاد الحلّ بالنسبة إلى الأزمة” الليبيّة. قد يكون هذا الكلام محاولة لتهدئة تركيا في الموضوع الليبيّ بعدما أعلن إردوغان في وقت سابق من الشهر الحاليّ أنّ استعداده لإرسال قوّات تركيّة إلى ليبيا هو ردّ على انتشار قوّات فاغنر في البلاد.
وأعرب إردوغان عن أمله بألّا “تخلق قضيّة حفتر سوريا جديدة في علاقاتنا مع روسيا.” لكن لم يكن واضحاً ما المقصود ب “سوريا جديدة”. فهذه العبارة باتت دلالة على نجاح تفاهمهما في البلاد بغضّ النظر عن التوتّر المحدود الذي شهدته العلاقة بعد إسقاط أنقرة مقاتلة روسيّة بعد أقلّ من شهر ونصف الشهر على التدخّل الروسيّ في النزاع السوريّ. مهما كان قصد إردوغان، من المرجّح ألّا تكون مقارنته في محلّها، على الأقلّ في المدى المنظور.
“يجب أن نميّز بين العلاقات التركيّة-الروسيّة، والعلاقات التركيّة-الروسيّة في الشرق الأوسط. في الشرق الأوسط، ستبقى العلاقات التركيّة-الروسيّة نزاعيّة مع وجهات نظر مختلفة. ثنائيّاً، لن يشكّل ذلك مشكلة”. هذا ما أعلنه بروفسور العلاقات الدوليّة في جامعة الشرق الأوسط التقنيّة في أنقرة حسين باقجي. ولم يستبعد الأخير في حديث إلى موقع “إذاعة أميركا” أن يتحوّل الأمر إلى مشكلة لكن على المدى الطويل، إذا لم يستطع الطرفان دمج مصالحهما.
“شراكة خطيرة”
قدّمت سوريا نموذجاً عن إمكانيّة التعاون الروسيّ-التركيّ حتى من دون الوصول إلى “دمج” المصالح. يرى مراقبون آخرون أنّ موسكو وأنقرة ستكونان قادرتين على التوافق في ليبيا، انطلاقاً تحديداً من التجربة السوريّة التي تمنّى إردوغان ألّا يتمّ تطبيقها في ليبيا.
في الثالث من كانون الأوّل، حذّر الصحافيّ المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط ومستشار التحرير في صحيفة “إندبندنت” البريطانيّة أحمد أبو دوح من تغيّر في النزاع يمكن أن يتحوّل إلى “شراكة خطيرة” في طور الصياغة بين روسيا وتركيا حيث يتمّ “نسخ الاستراتيجيّة السوريّة بالضبط” بتأليب الأطراف ضدّ بعضهم البعض و”تقاسم المغانم” بينهما. ومن خلال مقارنة مع التردّد الغربيّ في شمال سوريا، يعتقد أبو دوح أنّ التردّد الغربيّ في ليبيا سيعطي موسكو وأنقرة نفوذاً بارزاً.
بعد سوريا، تبدو ليبيا، الدولة الغنيّة بالموارد النفطيّة، وجهة تنافس إقليميّ ودوليّ جديد يمكن أن تحتدم بغضّ النظر عن صحّة وجود تفاهم ضمنيّ بين الروس والأتراك من عدمها. تدريجيّاً، يغدو الملفّ الليبيّ الذي لديه ما يكفي من تعقديات في تحوّلاته الداخليّة، ورقة مقايضة محتملة في ملفّات إقليميّة أخرى ومن بينها سوريا. لهذا السبب، من المرجّح أن يتقاطع عدد من خطوط التوتّر فوق العاصمة الليبيّة وسيكون لها تداعياتها على دول عربيّة وأوروبّيّة وحتى على الولايات المتّحدة في المستقبل القريب.