ليبيا منذ أول خريطة.. كيف رأى أسلافنا شكل بلادنا؟
تعود أول خريطة موثقة للعالم إلى القرن السادس قبل الميلاد، وهي أقدم خريطة عالمية معروفة، وتقدم لمحة فريدة من نوعها عن المنظور القديم للأرض وبحارها.
وفي عام 150 ميلادي كان بطليموس من الإمبراطورية الرومانية أول من استخدم مواقع خطوط الطول والعرض لرسم خرائط البلدان الجغرافية. وبعد ضياع هذه الخرائط القديمة لعدة قرون، أعيد اكتشاف بطليموس ورسمها في القرن الخامس عشر، لتكون بمثابة أساساً لرسم الخرائط عبر العصور الوسطى.
ولا يبدو من خريطة بطليموس أي ملامح للقارات، ويبدو أن ليبيا وفقاً لخريطته البدائية كانت بلا ساحل يطل على البحر، بل دولة حبيسة.
ليبيا تطُلّ على الساحل
وكانت الخريطة الثانية عام 1050 ميلادي من القرون الوسطى وتعود إلى راهب فرنسي غير معروف، وقيل إنه راهب إسباني، ورغم أن الخريطة يظهر فيها توضيح لقارات أفريقيا وأوروبا وآسيا إلا أنها ظهرت على شكل حرف O باللغة الإنجليزية، لكن صاحب الخريطة أظهر بعض التفاصيل مثل البحر الأحمر ومدينة القدس، وهي الخريطة الأولى التي أظهرت أن ليبيا تطُلّ على ساحل البحر.
وفي خريطة تعود لعام 1154 ميلادي تحول العالم رأسا على عقب وذلك بعدما قام الجغرافي العربي محمد الإدريسي في الأندلس بإعداد واحدة من أكثر خرائط العالم تقدماً في العصور الوسطى للملك روجر الثاني، ملك صقلية.
كانت الخريطة تحمل اسم Tabula Rogeriana ، والتي تترجم حرفيًا إلى “كتاب الرحلات الممتعة إلى أراضٍ بعيدة”، متقدمة على المنحنى مقارنة بالمعاصرين لأنها تستخدم معلومات من حسابات المسافرين والتجار. كانت الخريطة الأصلية موجهة جنوبًا، وهذا هو السبب في أن الصور الحديثة تظهر رأسًا على عقب.
جزيرة في سواحل ليبيا
وقد أظهرت الخريطة ليبيا بتضاريس أكثر حدة تخترق البحر غرباً على شكل ميناء يابسة عملاقة، وهي المنطقة التي تقع فيها حالياً بنغازي والدار البيضاء، لكن الملفت للنظر أن ليبيا تقع على سواحلها غرباً جزيرة صغيرة نسبياً.
وفي عام 1375 ميلادي قام رسام الخرائط أبراهام كريسكيس بإنشاء خريطة تستندُ على خريطة الإدريسي، لكنها أعطت ملامح أفضل للمحيط الأطلسي ومنطقة شمال إفريقيا.
وظهرت ليبيا في خريطة كريسكيس أنها ذات ساحل متعرج وليس بخطٍ معتدل مستقيم.
ليبيا أكثر وضوحا
أما في عام 1489 ميلادي، توسع هنريكوس مارتيلوس بخريطة بطلوميوس الدائرية، واعتمد على مصادر مثل رحلات ماركو بولو لتصور العالم القديم.
تشبه خريطته إلى حد كبير خريطة أنشأها رسام الخرائط والفلكي والتاجر الألماني مارتين بهايم.
وظهرت ليبيا في خريطة مارتيلوس بطريقة أكثر واقعية من سابقاتها من الخرائط، وهي الخريطة التي تُعتبر أنها أول الخرائط الدقيقة رغم اختلاف الكثير من التفاصيل المهمة، إلا أنها رسمت شكلاً واقعياً لقارات العالم.
القفزة الأقوى عبر تاريخ رسم الخرائط حصلت مع أول خريطة علمية أقرب إلى الدقة والواقع تُنسب إلى رسام الخرائط البرتغالي دييغو ريبيرو عام 1529 ميلادي.
وتم رسم الخريطة استناداً إلى مئات تقارير البحارة للأراضي الجديدة التي يصلون إليها مع إحداثياتهم حولها.
وظهرت ليبيا في الخريطة أيضاً بطريقة واضحة وواقعية مع ساحلها على البحر الأبيض المتوسط.
وفي القرون الوسطى أيضاً وتحديداً عام 1599 ميلادي كان عالم الرياضيات ورسام الخرائط الإنجليزي إدوارد رايت أول من أتقن عرض ميركاتور (وهو نظام إحداثيات جغرافي عالمي بتقسيم الكرة الأرضية إلى 60 قسماً)، ويأخذ هذا النظام انحناء الأرض في الاعتبار. وتمت الاستفادة من خريطته في الملاحة البحرية.
وظهرت ليبيا في هذه الخريطة بشكلٍ مختلف قليلاً عن الخريطة التي قبلها، حيث بدت أن منطقة اجدابيا أكثر حدّة من حيث اختراق البحر الأبيض المتوسط داخلها، بينما في الخريطة التي قبلها والخرائط العصرية الدقيقة الآن تبدو أكثر دوراناً وانحناءً.
عصر خرائط العالم الحديث
بين عامي 1778-1832 تم اختراع الكرونومتر البحري للملاحة البحرية، وهي نوع من الساعات الدقيقة جدا التي تستخدم في البحرية ويستخدمها أيضا الطيارون، وأصبحت السفن بعدها قادرة على اكتشاف كل من خطوط الطول والعرض.
وكان جاك نيكولاس بيلين، وهو عالم جغرافي فرنسي، مسؤولاً عن الخرائط والخرائط البحرية الدقيقة في القرن الثامن عشر.
أخيرا، كان رسام الخرائط والمحامي الألماني أدولف ستيلر هو من يقف خلف أطلس ستيلر هانداتلاس، حتى منتصف القرن العشرين. واشتهرت خرائطه بتحديثها بناءً على استكشافات جديدة، مما جعلها الخريطة الأكثر موثوقية ممكنة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخرائط القديمة أعلاه تأتي في الغالب من منظور أوروبي.
ومع ذلك، فإن العصر الذهبي الإسلامي يفتخر أيضًا بسجل رسم مثير للإعجاب ، حيث وصل إلى ذروته جزئيًا بفضل محمد الإدريسي في القرن الحادي عشر. كما كان للإمبراطوريات الصينية القديمة عصر ذهبي لرسم الخرائط بعد اختراع البوصلة أيضًا.
هل بقي شيء مجهول؟
لم يتبقَ شيء من اليابسة من بلاد وقارات إلا واكتشفه الإنسان، لكن بقي هناك ألغازا لا تُعد ولا تُحصى في أعماق البحار، وتقول الدراسات إن الإنسان استكشف مساحة في الفضاء الخارجي أكثر من 95% من محيطاتنا على كوكب الأرض.