ليبيا في قمة الظهران
د. جبريل العبيدي
قمة القدس «قمة مفترق الطرق»؛ القمة العربية الـ29 في الظهران بالمنطقة الشرقية في السعودية التي تفتح ملفات أكثر إشكالية وصعوبة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك الإصلاحي سلمان بن عبد العزيز، لتناقش ملفات صعبة وشائكة ومهمة، من ضمنها الأزمة الليبية، التي هي إحدى أبرز الأزمات العربية، وهذا ما أكده في كلمته بالقمة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط قائلاً: «إن الأزمة في ليبيا تمثل أولوية للجامعة»، الأمر الذي أكده أيضاً المتحدث باسم الجامعة العربية، وذلك بانخراط الجامعة العربية بشكل مباشر في بلورة حل الأزمة، التي في أمس الحاجة لإجماع عربي لحل سياسي يجمع الفرقاء الليبيين، خصوصاً أن المناخ السياسي في الظهران، والقيادة السعودية التي من الممكن عبرها أن تكون بداية الحل الحقيقي لأزمة تنقلت وتعثرت بين عواصم كثيرة، منها العربية وأخرى أجنبية؛ جميعها لم تتقدم قيد أنملة في تجسير هوة الخلاف بين الفرقاء الذين شتتتهم الحرب والفوضى.
القمة العربية في الظهران السعودية وضعت الملف الليبي بين أولوياتها، خصوصاً أن القمة بزعامة عروبية، تجمع بين الأصالة والحداثة في الفكر السياسي، يمكن التعويل عليها في أن تقدم الكثير في هذا الملف، لا سيما أن سياسة المملكة العربية السعودية تدعم الاستقرار في ليبيا بشكل واضح، وليس الفوضى والميليشيات، كما نهجت دول أخرى، منها النظام القطري، وأخرى إقليمية عقدت الملف الليبي بدعم الميليشيات وإعادة تدوير وتوطين جماعات الإسلام السياسي التي جيء بها من جبال تورا بورا وبيشاور وغوانتنامو إلى ليبيا دون أدنى درجات التأهيل الإنساني والفكري، ليجدوا مكاناً للفوضى يلبي حاجتهم وتعطشهم لسفك الدماء.
القمة العربية في الظهران أكدت «أهمية دعم المؤسسات الشرعية الليبية، والحوار الرباعي الذي استضافته جامعة الدول العربية، بمشاركة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لدعم التوصل إلى اتفاق يُنهي الأزمة من خلال مصالحة وطنية تتكئ على (اتفاق الصخيرات) وتحفظ ليبيا الترابية، وتماسك نسيجها المجتمعي». كما دعمت القمة الجهود الليبية لدحر العصابات الإرهابية واستئصال الخطر الذي تمثله بؤرها وفلولها على ليبيا نفسها وعلى جوارها.
القمة العربية اتكأت على «اتفاق الصخيرات»، وشددت على تطبيقه، الذي تم خرقه بأشكال متعددة من قبل جماعات الإسلام السياسي، التي أخذت إطار الاتفاق من دون المضمون، فتكونت أجسام موازية مثل «مجلس الدولة»، الذي تشكل من طيف واحد هو جماعة «الإخوان» و«المقاتلة» وأقصى الكتلة الوطنية المعروفة بـ«94» في خرق واضح لنص الاتفاق.
ليبيا اليوم في حاجة ملحة إلى إجماع عربي يساعد على الحل، للتخلص من عبء ثقيل من الفوضى والفساد، وتحقيق تنمية مستدامة قبل فوات الأوان ونضوب النفط المصدر الأوحد لاقتصاد البلاد، رغم ما يزخر به باطن الأرض الليبية من ثروات أخرى من ذهب ومعادن مثل اليورانيوم والنفط الصخري، إضافة إلى الطاقة الشمسية.
قمة الظهران التي حققت مشاركة واسعة على مستوى القادة، هي فرصة لتحقيق إجماع عربي للدفع نحو حلحلة الأزمة الليبية، خصوصاً وأن للسعودية تجارب في تقديم حلول ناجعة كثيرة، منها الأزمة اللبنانية و«اتفاق الطائف» الذي لا يزال يحقق حالة من الاستقرار والتوازن في بلد خاض حرباً أهلية لسنوات طويلة، وإن كانت الحالة الليبية مختلفة عن الحالة اللبنانية لغياب التعدد الطائفي والديني، إلا أن المشترك كان الحرب وإن تعددت مسبباتها وتعليلاتها.
الأزمة الليبية على طاولة قمة الظهران سيكون لها منعطف جديد دون شك، خصوصاً أن الجدية عند رئاسة القمة واضحة في العمل على استقرار هذا البلد العضو والمؤسس في الجامعة العربية، الذي ضربته الأزمات فجعلته يعاني الفوضى والاضطراب، التي ستكون نهايتها قريبة بعزيمة وإرادة ليبية ومساندة عربية لتحقيق الاستقرار.