ليبيا بين دكار وبنغازي
د. جبريل العبيدي
شيزوفرينيا سياسية لأنصار القذافي، الذين كانوا بين فريقين؛ أحدهما اجتمع في بنغازي يجاهر بمناصرة الجيش الليبي وعودة الدولة المدنية وإن اختلفت الرؤى لديه، وفريق آخر اجتمع في السنغال مع سدنة الإرهاب وتنظيمات «الإسلام السياسي»، في تناقض كبير بين الفريقين، رغم إعلانهما مناصرة نظام القذافي وجماهيريته التي سقطت في فبراير (شباط) 2011.
الفريق المجتمِع في بنغازي، ضم وزراء سابقين وقيادات في النظام السابق، جمعهم الوطن لتأسيس مؤتمر للقوى الوطنية، التي إن كُتِب لها النجاح فستكون رافداً مهماً للتنوع السياسي في ليبيا، ومشروع مصالحة وطنية تحقق نوعاً من السلم المجتمعي، خصوصاً أن المجتمعين كانوا داخل الوطن لا خارجه، جمعتهم أجندة برؤية وطنية، وإن اختلفت مع غيرهم في آلية التعاطي.
اجتماع دكار جمع فريقاً من أنصار العقيد القذافي مع قيادات متهمة بالإرهاب وسجناء إسلاميين سابقين كانوا قيادات في حراك فبراير، مثل عبد الوهاب القايد أخي أبو يحيى الليبي (الرجل الثاني في «القاعدة») الذي قُتِل في غارة أميركية في باكستان، مع القيادي عبد الحكيم بلحاج والقيادي الإخواني صالح مخزوم، جمعت هؤلاء طاولة تاجر السلاح العالمي جان إيف أوليفييه، صاحب مؤسسة «برزافيل» التي تعلن أنها الراعي لاجتماع دكار، ويعتبر رئيسها صديق قطر المقرب، الذي قال الكلمة الافتتاحية في ذلك الاجتماع.
بعض المجتمعين في دكار أعضاء سابقون في حركة اللجان الثورية، التي كانت تُتهم بممارسة العنف والتعذيب وتصفية معارضي النظام، ومارَس بعض قياداتها الإعدامات الميدانية في الساحات العامة دون محاكمات، وتوصَف بالحزب الحاكم، رغم إعلان نظام القذافي تحريم بل وتجريم وتخوين الأحزاب من خلال مقولة شهيرة له اجتُزِئت من «الكتاب الأخضر» (المنسوب للقذافي).
فريق بنغازي الذي راهن على الوطن وجاء ليجتمع داخله، وإن اختلفت رؤيته مع الباقين، يبقى فريقاً مرحباً به له رؤية تُحتَرَم، بينما فريق دكار الذي ضم جماعات الإسلام السياسي، وقيادات كانت السبب في سقوط نظام كانوا ولا يزالون يناصرونه ويرفضون حتى راية الاستقلال… هؤلاء لا يعون الدرس من التعاون مع هذه الجماعات التي تمارس التقية السياسية، وسبق أن مارستها مع القذافي الأب والقذافي الابن سيف الإسلام، ونكثوا العهد، وكانت مراجعاتهم الفقهية في سجون القذافي التي أشرف عليها كبيرهم القرضاوي لم تكن سوى تقية للخروج من سجن القذافي للانقلاب عليه في بضع سنين، وكانوا تحالفوا وناصروا سيف الإسلام في مشروع «ليبيا الغد» عام 2007، بزعامة علي الصلابي القيادي في هذه الجماعات المقيم في قطر.
اجتماع دكار أثبَتَ أن هناك فريقاً من أنصار القذافي لا يزال غير واعٍ بخطورة هذه الجماعات، ويظن بتحالفه معها أنه يحقق نوعاً من المكاسب الشخصية، والعودة للحكم، في حين أن هذه الجماعات تستخدمهم كحصان طروادة، وسرعان ما يتم التخلص منهم، فهؤلاء لم يأمن شرهم القذافي الأب، الذي أخرجهم من السجون بعد أن أخذ عليهم أغلظ الأيمان، ولكنهم غدروا به وقتلوه ومثّلوا بجثته التي عرضوها على الملأ ثلاثة أيام بلياليها، في سابقة غير أخلاقية.
الوطن يتسع للجميع، ولهذا يُعتَبَر اجتماع بنغازي لأنصار القذافي أقرب إلى مصالحة وطنية يمكن أن تثمر سياسياً ومجتمعياً، وليس كما هو الحال في المؤتمر الموازي في دكار الذي جمع بين حضوره قيادات الإرهاب والقمع بين زمنين، سبتمبر (أيلول) وفبراير.